يجب علينا أن نكون حذرين وجاهزين في آن واحد حينما ندرس الثقافة الشعبية من أجل مواجهة المشكلة التي يطرحها علينا المصطلح نفسه.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/08/25، العدد: 10733، ص(15)] سعدت كثيرا بقراءة خبر صدور النسخة المترجمة إلى اللغة العربية من كتاب الناقد والدارس البريطاني جون ستوري الموسوم بـ”النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” وذلك عن دار كلمة للنشر في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة. لا شك أن ترجمة هذا الكتاب، الصادر ببريطانيا منذ أربع وعشرين سنة، إلى العربية سيساهم إيجابيا في تثبيت أركان التخصص المعروف في الغرب بالدراسات الثقافية في مشهد النقد العربي المعاصر الذي يحتاج فعلا إلى الجهاز النظري الأكثر تطورا في هذا المجال الحيوي. يتميز هذا الكتاب بكونه يدرس الخلفية التاريخية والفكرية والاجتماعية لظاهرة الدراسات الثقافية وأسسها النظرية كما يرصد كيف تشتغل النظريات والمقاربات الفكرية مثل الماركسية، والنسوية، وما بعد الحداثية، والبنيوية وما بعد البنيوية داخل حقل الثقافة الشعبية. وفي خضم هذا تبرز إلى السطح مشكلة كبيرة وتتلخص في عدم وضوح دلالة مفهوم الثقافة الشعبية ذاته حيث تجدر الإشارة هنا إلى أن جون ستوري يرى أن هذا المفهوم نفسه مسكون بالغموض والتعميم، وجراء ذلك نجده يدعو إلى تمحيصه والنظر إليه في إطار السياق التاريخي والثقافي لكل مجتمع. ففي تقديره إنّ مفهوم الثقافة الشعبية يتطلب التحليل وإعادة النظر في صلاحيته خاصة وأن بعض الدارسين قد وضعوه بين قوسين ومن بينهم الناقد توني بنيت الذي أكد أنه “لا فائدة منه عمليا” لأنّ “بوتقة المعاني المضطربة والمتناقضة تستطيع أن توجه أثناء ممارسة البحث أيّا من الدروب العمياء المتصلة بالنظرية توجيها سيئا”. ويلاحظ جون ستوري أن جزءا من هذا المشكل “ينبع من استعمال ‘الغيرية’ التي تتميز بأنها غائبة وحاضرة دائما حين نستخدم مصطلح الثقافة الشعبية”. و في تقدير هذا الدارس فإن هذا المشكل يظهر لنا عندما ندرك أن” الثقافة الشعبية تعرّف دائما في العلن أو على نحو مضمر بالتضاد مع أنماط المفاهيم الأخرى مثل: الثقافة الفولكلورية، والثقافة الجماهيرية، والثقافة المسيطرة، وثقافة الطبقة العاملة، إلخ”، ولذلك يرى بأنه “ينبغي أن يأخذ التعريف التام بعين الاعتبار كل هذا وبشكل دائم”. وهنا يقترح جون ستوري أنه يجب علينا أن نكون حذرين وجاهزين في آن واحد حينما ندرس الثقافة الشعبية من أجل “مواجهة المشكلة التي يطرحها علينا المصطلح نفسه”، وهو يعني أيضا أن تمييز نوعية الآخر عند دراستنا للثقافة الفولكلورية، أو لثقافة الطبقة العاملة، أو للثقافة الشعبية هو أمر ضروري وأساسي لتفادي الخلط بين أنماط الآخر من جهة، و من أجل عدم إبقاء مفهوم الثقافة الشعبية مفهوما فارغا كما هو حاله قبل القيام بإدراك الاختلاف بين أنماط الثقافات المذكورة آنفا. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :