في عيون من بقين من نساء الكويت دمعة غالية آسرة، وفي وجوههن قسمات حياة مريرة، مضت قاسية بكل تفاصيلها، لو شاهدتها وعشت حرقتها لما وسعك إلا أن تحضن تلك الأجساد، وتقبل جباهها وأياديها، حناناً وشوقاً وتقديراً لها، إنهن نساء الأمس، حيث تاريخ غابر، عانين فيه شظف حياة ممزوجة بالحزن والسعادة، وهي للحزن أقرب. في خضم حياة البحر القاسية، ومعاناة أهواله، كان على المرأة الكويتية في ذاك الزمن أن تلعب دوراً كبيراً في تحمل أعباء بيت غادره رب الأسرة، وغاب عنه فترة طويلة في الغوص على اللؤلؤ والسفر الشراعي من أجل البحث عن حياة أفضل. كان عليها أن تربي الأبناء وترعىٰ شؤونهم إن كانوا صغاراً في صحتهم ومرضهم، وتوجههم إن كانوا كباراً إلى ما يصلح أمرهم، وإلى ما يجعلهم يتحملون معها جزءاً من تبعات حياة مريرة. كانت إذ تقوم بهذا الدور الكبير شديدة البأس، جزيلة الصبر، واسعة العطاء، شامخة كالطود. تنتظر المرأة الكويتية عودة الغائب، في معاناة عاطفية لا تطاق، فلا سبيل للاتصال برب الأسرة مدة غيبته، الأمل يحدوها أن يرجع سالماً غانماً، فاز بما تتأمله الأسرة من الخير والعطاء، لكن المعاناة، كل المعاناة في توقع تعرضه لمخاطر البحر وأهواله في سفن شراعية تسوقها الرياح أنَّى شاءت. كان على المرأة الكويتية قبل نومها أن تحكي لأطفالها حكايات مفرحة لأهل البحر وما يجلبونه من خيرات ونعم، وتبعد عنهم كدر الحياة، وفي قلبها الفرح والتفاؤل بالأمل، تنام وهي تدعو بالخير لزوج غائب، وتصحو وهي تحفظ تماماً وصاياه لنفسها ولأبنائها أن يكونوا جميعاً بأحسن حال. تقوم تذهب باكرة إلى السوق القريبة مع جاراتها، أو أحد محارمها من الأبناء والإخوة أو غيرهم لشراء احتياجات بيتها، وهي تعلم تماماً أن كل مبلغ تنفقه في مكانه الصحيح، مدخرة لحياة طويلة تحتاج فيها إلى مهارة وحسن تدبير. ومن نساء الكويت من مهرن في صنع الخبز، ولم يبخلن عن إرسال بعضه إلى الجيران. ومنهن من أتقنت الخياطة والحياكة، فأصلحن ما تهتك من ملابس وأثواب، ونسجن لأنفسهن ولأقاربهن الجديد منها، وإن زاد بعنه فأضحى مصدراً رديفاً للدخل. وتميزت بعض النسوة بالعلم الشرعي إضافة إلى اتقان القراءة والكتابة، فحفظن القرآن الكريم، وقمن بتعليمه للأبناء والأقارب والجيران، ومن مهرت به سميت «مطوعة»، وهي تقوم في بيتها بتدريس البنات الصغار والكبار من الجارات وغيرهن ما أتقنته من علوم شرعية وخلافها، وتقاضت عن ذلك مبلغاً رمزياً فيه مراعاة لحال كل أسرة. وفي البيت أيضاً، كانت الجارات يتلمسن حال المحتاجة منهن إلى الأشياء الاعتيادية من الأكل والشراب وآنية الطبخ وغيرها، فيعملن على توفير ما تحتاجه، وكان التبادل بينهن والتعاون سمة غالبة تخفف عن كل بيت تبعات الحياة. تلكم حياة كريمة برغم مشقتها، كانت حلوة بالتعاون والتآلف، تلك القلوب الحانية صنعت أبناء وبنات بررة، في قلوبهم الخير، وفي عقولهم الخوف على وطن يجمعهم، في صدق عطاء، ووطنية حقة.د. سعود محمد العصفور dr.al.asfour@hotmail.co.uk
مشاركة :