قضاة يطعنون على دستورية قانون «مكافحة الفساد»

  • 3/13/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تأكيداً لما انفردت «الجريدة» بنشره في 12 فبراير الماضي عن عزم مجموعة من القضاة الطعن على عدم دستورية قانون مكافحة الفساد لإخلاله باستقلالية القضاء أقدم ٦ مستشارين في محكمة الاستئناف أمس برفع طعن الى المحكمة الدستورية عبر المحامي عادل عبدالهادي، وطالبوا بالحكم بعدم دستورية القانون لمخالفته أحكام الدستور. وحصلت «الجريدة» على نص أسباب الطعن الذي يرى فيه القضاة مخالفة القانون لمبدأ الخصوصية والاستقلالية اللتين يتمتع بهما القاضي، فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة الذي كفله الدستور، بأن استثنى القانون موظفين بالدولة من الدخول لأحكام القانون. وفي حالة صدور حكم من الدستورية فإن الطعن سينال تلك المواد المطعون عليها بعدم الدستورية دون باقي أحكام القانون. وفيما يلي التفاصيل: أولاً: الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين حيث نصت المادة 2 من القانون 2 لسنة 2016 المطعون فيه على أن: تسري أحكام هذا القانون على الفئات التالية: 1 - رئيس ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ومن يشغل وظيفة تنفيذية بدرجة وزير. ووفقا لذلك النص، الذي جاء مغايرا للنص السابق ووروده في المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2012 والمقضي بعدم دستوريته في الطعن 24 لسنة 2015 (طعن مباشر دستوري)، حيث قصر النص في القانون المطعون في سريان القانون على الوزير التنفيذي دون من يحمل مسمى وزير لأهمية الوظيفة التي شغلها، وبالتالي تم استبعاد جميع من يتم تعيينهم بالديوان الأميري، وكذلك استثنى القانون أعضاء هيئة مدينة الحرير ومجلس الأمناء بتلك الهيئة ومستشاري الديوان الأميري وديوان سمو ولي العهد بدرجة وزير، إضافة الى وزير شؤون الديوان الأميري، رغم أن هؤلاء من كبار موظفي الدولة، ودون اشتراط حمل حقيبة وزارية، إلا أنهم في مراكزهم يباشرون أعمالا بقدر كبير من الأهمية لا تخضع للرقابة، ويستلزم إلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية، إلا أن القانون مايز بين أفراد الفئة الواحدة بأن جعل التمايز بين الوزراء من حيث حمل حقيبة وزارة كمن عدمه، ولم يبن من استثناء أعضاء الهيئة المذكورة أو مستشاري الديوان الأميري، رغم وحدة المراكز القانونية في الوقت الذي ألزم فيه رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، أعلى سلطة قضائية في البلاد لتقديم إقراراتهم بعناصر ذمتهم المالية. وكان يتعين على القانون يحدد الفئات المستثناة على سبيل الحصر دون أن يتركها لمجرد الاجتهاد، وهو ما شاب القانون بالغموض في بيان المخاطبين بأحكامه أو الفئات محل الاستثناء. وهذا التمايز يخالف قاعدة المساواة الدستورية. ومؤدى ما سبق أن القانون أخل بمبدأ المساواة بين المواطنين المخاطبين بأحكامه، رغم تماثل الوضع القانوني ومعيار المخاطبة بالنص والإلزام بتقديم تقرير الذمة المالية، وهو «مسمى وزير»، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته. خصوصيات الإنسان أكدت صحيفة الطعن أن إخضاع أعضاء السلطة القضائية لأحكام القانون المطعون فيه وإلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية لتلك الهيئة التنفيذية، التي يقوم عليها أشخاص لا ينتمون إلى السلطة القضائية، ولا يتمتعون بالخبرة للتعامل مع ذلك القانون، بما يقتضيه من الحفاظ والسرية على معلومات، هي أدق ما يقال عنها أنها تمثل أخص خصوصيات الإنسان، ولا تملك تلك الهيئة المكان أو الأجهزة أو الإمكانات التي تحفظ إقرارات الذمة المالية للفئات المخاطبة بأحكام القانون، مما يمثل خطراً محدقاً بسرية تلك المعلومات وخصوصيات أصحابها، بالنظر إلى مواقع عملهم ومراكزهم. ويكفي للتدليل على -خطورة ذلك الوضع- ما وقع في اعقاب قضاء المحكمة الدسورية بعدم دستورية المرسوم بالقانون السابق رقم 24 لسنة 2012، حيث في يوم الحكم ترك الموظفون مواقعهم بالهيئة وانصرفوا تاركين جميع المستندات عرضة للخطر والاطلاع على ما بها، وهو ما حدا بمجلس الوزراء إصدار تعليمات لوزير العدل باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ المستندات بتلك الجهة، ووزير العدل هو رجل السلطة التنفيذية، ولا أحد يعلم كيف يتم الحفاظ على المستندات والإقرارات التي سبق ايداعها، فهل تم جردها؟ ومن قام بذلك؟ وما صفته؟ وهل أقسم يمينا بعدم الإفصاح عما اطلع عليه من معلومات وبيانات في تلك المستندات؟ وهذا جميعه يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا حصانة أو سرية أو موثوقية أو اطمئنان أو راحة أو حماية للمواطن المخاطب بأحكام القانون المطعون فيه إلا بإخضاع الهيئة لإشراف القضاء لا السلطة التنفيذية. ثانياً: مخالفة الدستور بالاعتداء على الخصوصية وانتهاكه الحرية الشخصية نصت المادة 30 من الدستور على أن الحرية الشخصية مكفولة، ونصت المادة 34 على أن: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للمارسة حق الدفاع...». وقضت المحكمة الدستورية بجلسة 8/ 11/ 1982 في الطعن رقم 3 لسنة 1982 دستوري بأن الحق في الرقابة البرلمانية سؤالا كان أم استجوابا يقف في مقابله حق الفرد في حماية خصوصياته، بما يوجب التوفيق بينهما بالتنسيق والمواءمة على نحو يحقق مصلحة المجتمع، وأن حق المواطن في كفالة حريته الشخصية طبقا للمادة 30 من الدستور يشمل حقه في الخصوصية الذي هو قلعة يحتمي فيها الفرد ضد تعكير صفو حياته الخاصة، ومنها سره المرضي وأن اسم المريض وهو أحد عنصري السرية الطبية لا يجوز إفشاؤه، يتحقق، باطلاع الغير عليه. وقد انتهت المحكمة في ذلك الحكم الى أن إجابة الوزير على السؤال البرلماني الخاص بعلاج المواطنين في الخارج يجب ألا يشمل ذكر أسماء المرضى. كما قضت المحكمة الدستورية بجلسة 14/ 6/ 1986 في الطعن رقم 1 لسنة 1986 بأن الحق في الخصوصية حق يحميه الدستور تأكيدا للحرية الشخصية، وأن التعرض لعناصر الذمة المالية لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين فيه مساس بالحق في الخصوصية. وفي مجال تطبيق المادة 33 من الدستور سالف الإشارة المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 10/ 11/ 1998 في الطعن رقم 7 لسنة 1998 دستوري بأن افتراض البراءة المنصوص عليه في المادة 34 من الدستور إنما يؤسس على الفطرة، وأنه لا يجوز نقض هذه القرينة إلا بحكم قضائي جازم يصدر في ضوء الأدلة المقدمة والمثبتة للجريمة المنسوبة اليه في كل ركن من أركانها. ولما كان القانون المطعون فيه رقم 2 لسنة 2016 الصادر بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية نصت المادة 30 منه على إلزام الخاضعين لأحكامه الفئات المنصوص عليها في المادة 2 منه بتقديم إقرارات بعناصر ذمتهم المالية، وهي 3 إقرارات: 1 - الإقرار الأول: خلال ستة أشهر لمن هو في الخدمة وقت صدور اللائحة التنفيذية للقانون. 2 - الإقرار الثاني: خلال ستين يوماً من تاريخ توليه المنصب وتحديث الاقرارات خلال ستين يوماً من نهاية كل ثلاث سنوات ما بقي في منصبه. 3 - والثالث الإقرار النهائي خلال تسعين يوما من تاريخ تركه منصبه. وبعد أن بينت المادة 2 من القانون الفئات الخاضعة للقانون ألزمت المادة 30 الفئات الواردة بها بتقديم إقرارات الذمة المالية- وعرف القانون تلك الذمة المالية بأنها: ما للخاضع لأحكام هذا القانون وأولاده القصر ومن يكون وليا أو وصيا أو قيما عليهم من أموال نقدية أو عقارية أو منقولة داخل الكويت أو خارجها، ويدخل في ذلك ما لهم من حقوق وما عليهم من ديون قبل الغير، كما تشمل الوكالات أو التفويضات ذات الأثر المالي الصادر منه للغير أو من الغير لصالحه وحقوق الانتفاع». وما تقدم يمثل انتهاكاً صارخاً للحق الدستوري في الخصوصية والحرية الشخصية، ويتعارض مع المبادئ، التي استقرت عليها المحكمة الدستورية على النحو المتقدم، كما أن المرسوم بقانون المطعون عليه يهدم أصل البراءة المقرر في المحاكمات الجزائية، حيث يرتب على مجرد تلقي البلاغ، الذي يخضع في تقدير جديته من عدمه لسلطة موظف بالهيئة العامة لمكافحة الفساد، نتائج تمس الحرية الشخصية، والذمة المالية واتخاذ إجراءات قد تقيد الحرية الشخصية أو حرية التصرف في الذمة المالية، وذلك جميعه دون مقتضى أو موجب قانوني، خصوصاً أن تلك الإجراءات تتم بعيداً عن أعين القضاء مما يهدر ضمانة دستورية مهمة. ونصت المادة 34 من القانون المطعون فيه على أنه: « للهيئة في حالة وجود شبهة جريمة كسب غير مشروع، أن تطلب بشكل سري من الأفراد أو الجهات الحكومية أو الخاصة داخل الكويت وخارجها البيانات والإيضاحات والأوراق، التي ترى لزومها، وللنائب العام أو من يقوم مقامه، بناء على طلب الهيئة، أن يأمر مباشرة بالاطلاع أو الحصول على أي بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الخزائن لدى البنوك والمؤسسات المالية ......». وحيث نصت المادة 24 من القانون على أنه: «مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية، تقوم الهيئة فور علمها بوجود شهبة جريمة فساد بجمع المعلومات بشأنها، ولها في سبيل ذلك الاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم – وكذلك طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها، ولها أن تقرر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة». الخبر الذي انفردت بنشره «الجريدة» بتاريخ 12 فبراير الماضي عن طعن القضاة بالقانون ونصت المادة 25 من ذات القانون على أنه: «مع مراعاة أحكام المادة 28 من هذا القانون للهيئة الحق في مخاطبة واستدعاء أي شخص له علاقة بجريمة فساد لسماع أقواله بشأنها». وقد قضت المحكمة الدستورية المصرية أنه: « قد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على لأن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها لأصلان كفلهما الدستور بالمادتين 41، 67 فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة، التي تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، مثبتة بها الجريمة، التي نسبتها إلى المتهم في كل ركن من أركانها، والنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز، التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة، وهذا القضاء يأتي تمشياً مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ومؤدى هذا النص أن الأصل في المتهم البراءة، وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة، فعليها وحدها عبء تقديم الدليل ولا يلزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته، كما لا يملك المشرع فرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم. وكذلك قضت محكمة النقض المصرية في شأن النص في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 في شأن الكسب غير المشروع على اعتبار كل زيادة في الثروة تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع للقانون أو على زوجه أو أولاده القصر، كسباً غير مشروع، متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها، مؤداه إقامة قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع ونفل عبء الإثبات إلى المتهم كلاهما ممتنع لمخالفته للدستور مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر خطأ في تطبيق القانون. وبينت صحيفة الطعن أنه: لما كان ذلك وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى أيضاً على أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها أصلان كفلهما الدستور بالمادتين 41 و 67، فلا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تقيمها النيابة العامة وتبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة، التي نسبتها إلى المتهم في كل ركن من أركانها وبالنسبة لكل واقعة ضرورية لقيامها وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة إذ هو من الركائز التي يستند اليها مفهوم المحاكمة المنصفة. وهذا القضاء تمشياً مع ما نصت عليه المادة 67 من الدستور من أن المتهم برئ حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ومفاد هذا النص الدستوري بأن الأصل في المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة فعليها وحدها عبء تقديم الدليل، ولا يلزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته كما لا يملك المشرع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم. استقلال القضاء طالبت صحيفة الطعن المحكمة الدستورية بأن تمارس المحكمة دورها المرسوم الذي جاهد أعضاء المجلس التأسيسي لإقرارها، والنص عليها في الدستور من أجله، وإلا ضاع جهد أولئك الأجداد العظام سدى، ولا ينال من عدم دستورية القانون ما نص عليه في المادة 31 من انه «للهيئة ان تستعين برجال القضاء والنيابة العامة لرئاسة وعضوية لجان الفحص بموافقة المجلس الأعلى للقضاء، فذلك النص في حد ذاته يمثل اعتداء على استقلالية القضاء ووظيفته القضائية، وذلك بإشراكه في لجان فحص إقرارات الذمة المالية حال ان القضاء، وهو الجهة التي قد يقدم اليها المشكو في حقه (المتهم) للمحاكمة، وهنا يقع التضارب بين رأي القاضي في لجنة الفحص، ورأيه كقاض، سواء هو او غيره على منصة القضاء، وبالتالي تضع هبة القضاء على المنصة». لقد أكد القضاء الدستوري مراراً وتكراراً أهمية استقلال القضاء كمبدأ دستوري ملزم، ففي أحد قرارات المحكمة الدستورية العليا المصرية- المتعلقة بالسلطات الممنوحة لقاضي الإفلاس استعرضت المحكمة مبدأ استقلال القضاء، وشرحت أهمية هذا الاستقلال في المجتمع الديمقراطي، فأوضحت المحكمة في المقام الأول التمييز ما بين استقلال القضاء وبين حيدة القضاء، فذكرت المحكمة ان استقلال القضاء يرجع إلى التحرر من تدخلات السلطات الأخرى في الشؤون القضائية، في حين أن حيدة القضاء تتعلق بقدرة القاضي نفسه على القضاء في دعوى دون أي تحيز شخص ضد أي طرف من أطراف الدعوى». وفي ظل القواعد الدستورية والقانونية الراسخة، التي استقرت في وجدان واضعي الدستور الكويتي ووجدان المجتمع الذي مثل له مبدأ حرية التجارة وسرية الحسابات البنكية وحرمة الحياة الخاصة وكفالة الحرية الشخصية سياجاً مهماً للبناء والتقدم والعمل لما فيه خير هذا المجتمع، فلا يقبل معه أن يصدر قانون يقر التزامات تتعارض مع المبادئ والحقوق التي كفلها الدستور، ويقدر استهدافه لمكافحة الفساد لكن لا يجوز له أن يفترض سوء النية والإجرام في جميع المخاطبين بأحكامه لمجرد تقديم بلاغ ضد أي منهم لجهة لا تعد جهة قضائية ولا حصانة لموظفيها أو القائمين على إدارتها، سواء الإدارة أو مجلس الأمناء، ويكفي تدليلاً على ذلك ما نشر على صفحات الجرائد اليومية من خلافات بين المدير العام للهيئة ومجلس أمنائها بسبب النزاع على الإدارة التنفيذية ومطالبة مجلس الأمناء بالاطلاع على تصرفات الإدارة ولقد جاء في تقرير اللجنة القضائية المشكلة بقرار وزير العدل رقم 4 لسنة 2017 بتاريخ 12 / 1 / 2017 لتقصي الحقائق بالهيئة العامة لمكافحة الفساد تعقيب على القانون بقولها: 1 - أن النظام القانوني واللائحي للهيئة ساهم وشجع على تفجير الخلافات واستفحالها من الرئيس وباقي أعضاء مجلس الأمناء وساعد في تعثر الهيئة وعدم قدرتها على أداء المهام المناطة بها والمسؤوليات الجسيمة الموكلة إليها. 2 - عدم معالجة القانون للجوانب الإجرائية الخاصة بالتصرف في البلاغات، التي تقدم للهيئة سواء بإحالتها للنيابة العامة أو حفظها أياً كانت أسباب الحفظ والجهة المختصة بإصدار قرارات التصرف وعدم وجود نظام التظلم من تلك القرارات أو الطعن عليها. مما يجعل البلاغات، التي تقدم للهيئة خاضعة لتقرير غير دقيق ومجرد وجهة نظر موظف عادي إذا ما ارتاى وفقاً لوجهة نظره جدية البلاغ، أن يتخذ إجراءات عديدة بحق المبلغ ضده أو جميع من له صلة بالبلاغ، مخالفاً بذلك قرينة البراءة المقررة في الدستور الكويتي، ومعتدياً على حق المواطن في الخصوصية من حيث أمواله وممتلكاته هو وجميع الخاضعين لولايته أو وصايته أو قوامته، وهو ما يهدد الحياة الخاصة للطاعنين وأي خاضع لأحكام هذا القانون. ثالثاً: الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات والاعتداء على استقلال السلطة القضائية: نصت الفقرة (3) من المادة الثانية من المرسوم سالف الإشارة حين استعرضت الفئات التي يسري عليها القانون، وهي: رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورئيس ومستشارو المحكمة الدستورية، والجهاز الفني للمحكمة والقضاة، وأعضاء النيابة العامة، ورئيس وأعضاء إدارة الفتوى والتشريع، والمدير العام، وأعضاء كل من الإدارة العامة للتحقيقات في وزارة الداخلية، والإدارة القانونية في بلدية الكويت، إضافة إلى المحكيمن والخبراء بوزارة العدل، والحراس القضائيين، ووكلاء الدائنين والموثقين، وكاتب العدل بإدارتي التسجيل العقاري والتوثيق بوزارة العدل. إن من شأن أعمال النص سالف البيان، واخضاع اعضاء السلطة القضائية للالتزام بتقديم إقراراتهم لهيئة تنفيذية تتبع السلطة التنفيذية ويشرف عليها وزير العدل كعضو بالسلطة التنفيذية لهو إهدار وتدخل سافر في شأن السلطة القضائية، وإهدار لمبدأ الفصل بين السلطات، وهدم المبادئ الدستورية المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية، ومبدأ الفصل بين السلطات، وعدم تداخل السلطات، وهو من المبادئ الأساسية التي قام عليها النظام الدستوري الكويتي. إذ تنص المادة 50 من الدستور على انه: «يقوم نظام الحكم على أساس الفصل بين السلطات، مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور». كما نصت المادة (162) من الدستور على انه «شرف القضاء ونزاهة القضاة وعملهم أساس الملك وضمان الحقوق والحريات». وتنص المادة 163 من الدستور على انه «لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم، وأحوال عدم قابليتهم للعزل». صفحات الجرائد وليس ببعيد ما نشر على صفحات الجرائد من خلاف بين الجهات القائمة على إدارة الهيئة من استدعاء وزير العدل لمجلس الأمناء ومدير الهيئة، ومنحهم عدة أيام مهلة لإنهاء الخلافات بينهم، والا فستتخذ ضدهم اجراء -ولم يجد سبيل سوى تشكيل لجنة قضائية لبحث الخلاف الدائر بين تلك الجهات، وهذا المسلك يشير إلى تبعية غير محمودة للهيئة، ويبشر بأن جميع المعلومات السرية ستكون بيد أفراد عاديين. لقد أفصح تقرير لجنة تقصي الحقائق سالف الإشارة اليها إلى نتيجة مهمة مؤداها اختفاء كل مقومات ومتطلبات استمرار الهيئة، وقدرتها على النهوض بالمسؤولية الوطنية المكلفة بها، بعد أن نالت الخلافات داخل مجلس الأمناء من سمعتها وشوهت صورتها، وهو ما نرى أن المشرع ما كان يقصد مطلقاً من إصدار القانون، ولعله قد آن الأوان للمحكمة الدستورية أن تكشر عن أنيابها ضد تعسف السلطة التنفيذية ومحاولتها المتكررة للعدوان على باقي السلطات.

مشاركة :