المستقبل للكتاب الشباب المتمردين على الواقع بقلم: زكي الصدير

  • 3/17/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المستقبل للكتاب الشباب المتمردين على الواقع قد يرى البعض أن كتابة القصة القصيرة تمرين لكتابة رواية ولكن هذا يفنده كتاب عالميون كثيرون، ظلوا يتنقلون على مدى مسيراتهم الإبداعية بين كتابة الرواية والقصة، وقدموا أعمالا روائية وقصصية مميزة، أغنت المدونة الأدبية العالمية بنصوص فارقة في تاريخها. “العرب” التقت الكاتب والإعلامي العُماني محمد اليحيائي الذي ما زال على عهده متنقلا في كتاباته بين الرواية والقصة، حول تجربته الأدبية وقضايا ثقافية وفكرية أخرى كان لنا معه هذا الحوار:العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/03/17، العدد: 10574، ص(15)]الواقع نص أجمل من الكتابة بعد ستة كتب سردية بين الرواية والقصة، كان أولها “حكاية المواطن مرزوق” التي صدرت ضمن كتاب بعنوان “أحلام فاطمة” ضمّ مختارات من السرد العربي الحديث عام 1994، أصدر الكاتب والإعلامي العُماني محمد اليحيائي مؤخراً مجموعته القصصية الجديدة بعنوان “البيت والنافذة”. ويعكف حالياً بتريّث كبير على عمل روائي جديد احتاج منه قراءة موسعة ومعمّقة في التاريخ العماني السياسي الحديث. كتابة الواقع إذا كان الفيلسوف غاستون باشلار يعدّ البيت كياناً مهماً لدراسة ألفة المكان التي تعطي الإنسان حالات من البراهين والتوازن فإن اليحيائي يقف على العكس من ذلك في مجموعته القصصية “البيت والنافذة”، الصادرة عن دار مسعى، حيث يفكك ويفتت ويعيد النظر في هذا الكيان من أجل أن يخرج لقارئه بدلالاته الجديدة. المجموعة ذات مناخات قصصية متعالقة ومختلفة، لكنّ جميعها ترصد عالماً متكاملاً محمّلا بالصراعات الوجودية العالية التي تحاول أن تفكك تفاصيل الحياة بلغة سهلة ممتنعة، فالعوالم بين يدي اليحيائي لا تعود كما كانت عليه بعد أن تمرّ على أدواته السردية التي تنعشها بحيوات جديدة فتتبدى مختلفة. لهذا هو مشغول -ضمن هذا السياق- بإعادة تشكيل الأشياء من حوله ابتداء من البيت وانتهاء بالكون وأسئلته. يقول اليحيائي متحدثاً لـ “العرب” عن المجموعة “نصا ‘البيت‘ و‘النافذة‘ ونصوص أخرى في الكتاب كـ‘الغريب‘ و‘الميراث‘ و‘سيناريو فيلم طويل‘ هي محاولة في الاتجاه الآخر: تفتيت المُرتّب وتفكيك الثابت، ومحاولة لإعادة النظر في العلاقة بالمكان/ البيت، ليس بوصفه محطة وصول، إنما بوصفه طريقا وبحثا مستمرين. البيت معادل للثبات والسكون والطمأنينة، أو بمعنى آخر، معادل للوصول والنهاية والموت، وهذا يتعارض مع الفن وموقف الفن من الحياة. لعل هذه هي الفكرة التي نهض عليها نص ‘البيت‘ تحديدا، فالشخصية التي كانت على يقين من أنها في الطريق إلى البيت وأن كل العلامات والشواهد تدل على أنها في الطريق إلى البيت، حتى البيت الذي بلغته أخيرا كان يُشبه البيت، اكتشفت أن كل ذلك كان خداعا وأن البيت وهم. الحقيقة، حقيقة المكان وحقيقة الكائن، هي أن الحياة طريق ومحطات وبيوت إنما لا وصول”. ويتابع اليحيائي في الشأن ذاته “المسألة الأخرى التي حاول نص ‘البيت’ قولها هي أن الأم هي البيت، أو هي القوة الروحية للمكان. غيابهاغياب لمعنى البيت وقيمته. ويُمكن للقارئ أن يُحمّل الأم، في هذا السياق، الرموز والإشارات التي يحب”. تضمنت بعض قصص المجموعة دلالات رمزية، ولعل القارئ يلمس ذلك تحديداً في قصة “علاقات خطرة”، و “براق”، و”الغريب”، وغيرها، وكأنها تهرب من الواقعية لتلجأ إلى شيفرتها الخاصة التي لا يمكن تفكيكها إلا بفهم ملابسات الواقع السياسي العماني. هذه الدلالات جعلتنا نتوقف مع ضيفنا عند الرقيب الذي تمثّله السلطة بكل أنساقها الاجتماعية والسياسية، ومدى الاهتمام به، وهل يحاول أن يراوغه عبر هذا الترميز.في قصصه يفتت اليحيائي المرتب ويفكك الثابت، في محاولة لإعادة النظر في العلاقة بالمكان، بوصفه طريقا وبحثا مستمرين يعلّق اليحيائي على ذلك بالقول “علاقتي بالرقيب علاقة حرة وواضحة، تحديداً منذ صدور كتابي الثاني قبل ثمانية عشر عاما. بمعنى أني لم أعد في حاجة إلى مراوغته، لأن أحدنا يعرف الآخر معرفة جيدة. بالنسبة إلي، الرقيب اليوم لم يعد موجودا، أو لم أعد أراه. هذا في ما يتعلق بالرقيب. أما مسألة الدلالات الرمزية والعلاقة بين الواقعي والمُتخيل، فهي واحدة من ثيمات الأدب الأساسية. إذا كنا سنكتب الواقع كما هو، فإن الواقع نص أجمل وأكثر تدفقا وتحولا، بل أحيانا أكثر شعرية من الكتابة أو الأدب الواقعي. ثم إن نقل الواقع وتوثيقه مهمة التاريخ لا مهمة الأدب. مهمة الأدب، السرد تحديدا، هي التأريخ للواقع، وإعادة خلقه عبر تحويله من حالة السكون إلى حالة الحركة ومن المادي إلى الحسي ومن الثبات إلى السائل المتحول، وذلك عبر ثقب الذاكرة التاريخية وتفجير محمولاتها من الرموز والأحداث والشخوص والحكايات والأساطير، وإعادة جمعها وكتابتها، ليس بوصفها تاريخا أو مادة من الماضي، إنما بوصفها صورة حية للمكان، بأناسه وحيواته”. حوض الشهوات في روايته “حوض الشهوات” الصادرة في 2015 كان اليحيائي السارد الوجودي المشغول بالأسئلة وتفاصيلها المكثّفة، وبدلالتها الواقعية والمتخيّلة. وقد كان متوقعاً بعد نجاحها أن يتقدّم اليحيائي للمشهد بأعمال روائية أخرى. لكنه عاد بمجموعة “نزهة المارشال” في 2016 المتضمّنة لمجموعة من قصصه السابقة، ثم مجموعة “البيت والنافذة” 2017. وعن سؤال إن كانت هنالك عودة إلى الرواية؟ يجيب الكاتب “بعض قصص ‘البيت والنافذة‘ كُتبت أثناء كتابة الفصول الأخيرة من ‘حوض الشهوات‘. كانت أشبه بالاستراحة بين أشواط من الجري الطويل. ثم كتبت نصوصا أخرى بعد صدور الرواية. عندما لاقت الرواية بعض الإشارات النقدية المُشجعة، بدأت مشروعا روائيا جديدا، وهو لا يزال قائما. غير أن المشروع الجديد تطلب مني خطة قراءة معمقة وموسعة في التاريخ العماني، خصوصا التاريخ السياسي. المُثير أن الرواية الجديدة التي كنت قد شرعت في كتابتها قبل أكثر من عام، دفعتني للانصراف كليا إلى القراءة والبحث في التاريخ، وهو ما أنا عليه الآن”.الحياة طريق ومحطات وبيوت إنما لا وصول فنيّاً، يرى ضيفنا أن القصة العُمانية لا تقل قيمة عن التجارب العربية وغير العربية. ويؤكد أن هناك مستويات مختلفة في الكتابة القصصية، حتى بالنسبة إلى الكاتب الواحد، وأن هناك أصواتاً عُمانية كسرت عزلة الجغرافيا والصورة النمطية لكُتّاب الأطراف، وأصبحت حاضرة في المشهد الأدبي العربي. كما يرى أن هناك جيلا وحساسية جديدين يتشكلان في عُمان، وسوف يشكل ظهورهما تحولاً مهماً في كتابة القصة العُمانية. يقول “أكثر ما يلفت النظر، لدى هؤلاء الكتاب الشباب، ومعظمهم أصوات نسائية، الاهتمام بتطوير الأدوات الفنية، والتمرد على الواقع ونقده”. نسأل اليحيائي بوصفه إعلامياً مهتماً بالحريات والديمقراطية من خلال برامجه الحوارية المتنوعة التي كان يعدّها ويقدمها في أكثر من منصة إعلامية محلية وعربية عن قراءته لحرية الرأي والتعبير، لا سيما بعد مجموعة استدعاءات طالت المثقفين العمانيين على خلفية رأيهم السياسي السلمي. يجيب الكاتب “في العلوم السياسية هناك ما يعرف بنظرية ‘الدومينو‘، وتقابلها عربيا نظرية ‘التفاحة الفاسدة‘، وتتمحور هذه النظرية حول فكرة العدوى التي تنتقل بين القطع المتجاوزة؛ عدوى الجيد وعدوى الرديء. للأسف الشديد، بين الدول العربية عدوى الجيد لا تنتقل بالسرعة التي تنتقل فيها عدوى الرديء، ربما لاستعداد وجاهزية الجسد السياسي والثقافي العربي لتقبل الأمراض. التشديد على الحريات والتضييق على أصحاب الرأي من الكتاب ودعاة التغيير والإصلاح، عدوى تتنقل بين البلدان العربية، وعُمان ضمن صف قطع الدومينو العربي، أو داخل صندوق التفاحات العربيات، ليست بمنأى عما يحدث حولها من تحولات”. وير اليحيائي أن استدعاءات الكتاب والمثقفين تسيء لعُمان ولتاريخها ولمكانتها الثقافية والحضارية. قبل عشر سنوات أو أكثر قليلا كان من النادر أن تجد اسم عُمان في تقارير المنظمات الدولية المعنية بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وإن وجد ففي سياق ما يُعرف بالمؤشر العالمي للديمقراطية. ويظن الكاتب أن الحوار المجتمعي أو الحوار الوطني هو أفضل وسيلة للتعامل مع الأصوات الناقدة، “على أن النقد يبقى أفضل وصفة لعلاج المشكلات والأخطاء التي تعاني منها الدول والمجتمعات العربية”.

مشاركة :