في زمن الوعظ والفتاوى التويترية | نبيلة حسني محجوب

  • 4/30/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

كل يوم تقرأ وتسمع العجب العجاب، عن تدني الأخلاق، وانعدام الوازع الديني، حيث كانا المنظم الأساس في مجتمعنا، دون فتاوى تويترية، ودون فضائيات ومحاضرات دينية، تُبَثُ في كل وقت، وتتناول بعضها كل شيء بالصراخ والتهديد والوعيد من نار جهنم، وبئس المصير. في ذات المعنى كتبت صديقتي فريدة شطا الكاتبة في عكاظ سابقًا في صفحتها على فيسبوك تقول: (أعود بالذاكرة إلى زمن نشأتي، فأراه كيف كان الإسلام يتجسد في الناس سلوكًا فطريًّا في عباداتهم وعاداتهم، في زمن لم تعرف فيه وعاظًا ولا دعاةً، أناس يعرفون دينهم، ويمارسونه بلا ضجيج إعلامي، ولا وعاظ متجهمين، أو دعاة نصّبوا أنفسهم حماة للدّين، وفقهاء بعضهم لم يتجاوز علمه صفحات قليلة قرأها، فانطلقوا وراءنا في كل وسائل التواصل ومواعظهم وصراخهم). هؤلاء، بعض الوعاظ والمفتين، الذين أفسدوا علينا كل شيء، لأنهم لم يستطيعوا بث الأخلاق الحميدة في النفوس، وإعلائها على لغة العنف والتحريض والدعوة للجهاد ضد كل شيء لا ينسجم مع عاداتهم، أفكارهم، أو مخططاتهم، فوصلنا إلى هذه الحالة من الفوضى، والفساد الذي طال أشياء كثيرة في حياتنا حتى مأكلنا ومشربنا وعلاجنا، لم تعد مخافة الله هي الوازع الذي يحث على الإخلاص في العمل مهما علا وارتفع، أو صغر وتدنى! وعودًا على ما كتبته صديقتي، ربما أفصّل، أو أتوسّع في عرض الصورة التي مازالت راسخة في أذهان بعض من جيلنا، وربما أجيال بعدنا، أدركت ذلك الواقع الجميل، الذي صنعه الآباء والأجداد، بتعاملهم وأخلاقهم التي تنبض بروح الإسلام، وترسم صورته الجميلة؛ فكان نسيج ذلك العصر هو الخلق الإسلامي، وكان مسدولاً على التعاملات الأسرية والاقتصادية والإدارية والمهنية، بما يكتنفها من رقة ولين في القول، وأمانة وإخلاص في العمل، بضمير مستيقظ رغبة في التقرّب إلى الله، ورهبة من غضبه وانتهاك حرماته، حتى في علاقاتهم الإنسانية، فيما بينهم وبين الآخر، سواء كان ضيفًا من ضيوف الرحمن (معتمرًا، أو حاجًّا)، أم كان ضيفًا يعمل ويساهم في النهضة، حتى أنك ترى النسيج الاجتماعي كأنه غزل من خيط واحد، لا من خيوط كثيرة مختلفة. لم نكن نعلم الفرق بين السنّة والشيعة، ولا بين أبناء القبائل وأبناء مكة وجدة، حيث منهم مَن يرجع أصولهم إلى أعرق القبائل، وأشرف الأنساب، لكن يعرف قدرهم ممّن حولهم، ولا ينتقص قدر غيرهم. في زمن الوعظ والفتاوى، صرنا نسمع هذه التقسيمات: طرش بحر، وبقايا حجاج، وقبيلي، وخضيري، وسنّي، ورافضي، وعلماني، وليبرالي، وسلفي، وجامي، كافر، وفاسق، كل هذه التوصيفات للتفرقة العنصرية بين أبناء المجتمع الواحد، على أساس أن أحدهم أعلى، والآخر هو الأدنى. رغم أني لا أحب الزج بما يحدث معي من مواقف مع القرّاء الكرام، لأني أرد على الرسائل إذا كانت على البريد الإلكتروني مباشرة، إلاّ بعض الرسائل العنصرية أتجاهلها، وأحيانًا يضحكني جهل مرسلها وعنصريته العمياء، فهو يفترض أني متجنسة، وهذا ليس عيبًا، لأن معظم السعوديين متجنسون، ومنهم من عاش أجداده على هذه الأرض مئات السنين قبل نظام الجنسية والتابعية التي أصبحت هوية وطنية، وجميعنا متجنسون، بمعنى الانتماء للجنسية السعودية، لكن أسرتي منذ الأزل تعيش في مكة، وأنتمي إلى أكبر قبيلة في العرب وهي قريش، وإلى بني هاشم، وإلى أشرف نسب -بفضل الله ومنّته- ومع ذلك لا أرد عليهم، لولا هذا السياق الذي استدرجني للحديث عن نسبي الشريف، ربما يصمت أولئك الشتّامون الذين لا يكتفون بالتشكيك في نسبي، بل يتجاوزون في شتائمهم إلى أفراد أسرتي، هل هذا هو الوعظ.. الشتّام اللّعان، الذي أنتج مثل هؤلاء الذين يدافعون عن الدين والأخلاق بدون أخلاق؟ هذا في زمن الوعاظ يحدث بيننا، يعتبر أن كل امرأة ظهرت في وسيلة إعلامية بدون نقاب، ولا غطاء وجه أنها متجنسة، ولو تمعّن حوله لوجد أن المخالفات والمتخلفات من كل الجنسيات يغطين وجوههنّ، ويلبسن القفازات في أيديهنّ تهربًا من الملاحقة. صورة أخرى لم يكن لها وجود في الماضي، ولكنها ظهرت بشعة في زمن الوعاظ والفتاوى، والقنوات الدينية، ورسائل الوعظ على قنوات التواصل الاجتماعي، التي تنهمر عليك ليل نهار تشعرك أنك الوحيد المنحرف عن النهج، وبحاجة إلى من يدلك على الطريق القويم. صورة «الرشوة» عقل الفساد، وقلبه النابض، هي الصورة الأبرز، وهي الوجه القبيح للفساد، بينما كان المجتمع الخالي من الوعاظ المتجهمين، والفتاوى التويترية، لا يقبل الرشوة كمثال للخلق السويّ، والسلوك الديني استنادًا لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش).. رواه الطبري. اللعن يعني الطرد من رحمة الله، وهو عقاب عظيم، يخافه الصغير والكبير، لذلك كنا في خير عميم، وكان المواطن السعودي مختلفًا في قناعته وفخره بعيشته مهما كانت بسيطة، أو متواضعة، لأنه يعلم أن أي انحراف ممكن أن يعرّضه لغضب الله، والطرد من رحمته، فأي سماء تظله، وأي أرض تقله؟! nabilamahjoob@yahoo.com nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :