نحن أمام نشاطين تربطهما علاقة وثيقة بالإنسان دون غيره، فالطموح المتمثل بينهما يعرض العلاقة بين العقل والعقلانية، فإذا قلنا إن الرياضة نشاط ممول للأبدان، وساحة عالمية وثقافة شعبية، فذلك من الانتماء للعقل، والعمل والاستعداد لها يعتبر فحوى منطقية، بينما الرياضيات بوابة العلوم وانتماء عددي للماضي، ونشاط للأذهان ومسألة فرضية أشهرها فرضية "ريمان" عالم الرياضيات الألماني، فالحياة بها مسائل كثيرة تتطلب حلولاً جذرية، باستثناء الرياضيات معظم نتائجها بين الصواب والخطأ، ومتعددة الحدود أو كثيرة الحدود، كما استعصى الباقي منها، لأنها رهينة الحدس، والمعادلة والتخمين والنظرية، والفرضية، فالاهتمام بالعلاقات الداخلية للمادة والاعتراف بها كنتيجة نهائية قيد محاولات كثيرة، ولن تنتهي، أمام الافتراض فهي نقطة انطلاق لكل العلوم، وانتظام في كل الاتجاهات إذا ما اعترضها أي مفاجآت ومصادفات، ولكن لو جعلنا الفرضية في مسائل رياضية، قد تكون المتغيرات متعددة والمعايير متكافئة، أو غير متكافئة فالرياضيات نشاط للأذهان، والتعريف به هو الذي يرفع المعنى إلى الصدارة ويتفوق على القيمة والنمو والتوزيع والنتائج، وعلماء الرياضيات المسلمين وغير المسلمين أثروا المنظومة العلمية وساهموا بشكل كبير في مسار علمي رفيع المستوى، وتلألأت تلك الأسماء على مر القرون وبقيت شاهداً على العصور، كالخوارزمي وابن الهيثم والطوسي، وعمر الخيام، وفيثاغورس وإقليدس وغيرهم من عظماء التاريخ، علما أن الفكر يدل على مقداره، فمظاهر العلم لا يمكن أن تختبئ خلف الشخص والهندام، وأن لهذه السلطة مظهراً أنيقاً وجميلاً، ولفظ رفيع المستوى يرفع صاحبه لدى الناس والمجتمع، فكلما نشط الذهن حسن مظهر الإنسان، وصلح عمله، وأجزل العطاء لحياته. فمن المؤكد أن الضرورة الاجتماعية تفرض تقسيم العمل، وتستخلص فائض القيمة، من نتائجه، فمن اشتغل بالتعليم وتخصص في مادة علمية أو أدبية، عليه مراعاة تطبيق الحقائق على النوع الذي تخصص فيه، وحصل بمقتضاه على مؤهل علمي يقدمه للسلك التعليمي باقتدار، وليس فقط ليمارس عملاً بفائدة مادية للعيش والتكسب، لكي تصلح عجلة العلم ولا تظل ضمن طرف مقرر على المجموعة. فقد دأبت كثير من الحجج حول إدراك الإنسان للعلم الذي يؤهله للتواصل الناجح، وحسم التوتر من الأنظمة الرمزية التي تبعد التلميذ عن منطق المواد العلمية، ويصوغ أشكال المادة إلى مفاهيم أساسية متاحة، تقدمه كجوهر للمجتمع وليس كوحدة وظيفية. فالمعضلة في المواد العلمية صعوبة استذكارها في المنزل، لعدة أسباب أهمها جهل الأهل بها، لاختلاف المستويات التعليمية من فرد إلى آخر، ثم عدم وجود وسائل بديلة تتيح للأبناء معالجة هذا النقص، وكيفية تعويضه. ورغم اعترافنا بالفوائد والامتيازات التي تُمنح للمعلم، لكي ينجح عليه أولاً كسب ثقة الطالب، لأن الثقة تحسن قيم التعامل الإنساني. فالخوارزمي حمل إرثاً كبيراً عرّبه. وانتشرت أعماله في أوروبا، واستفاد الناس من هذا النشاط بكل شغف، من خلال الترجمات اللاتينية، التي كان لها تأثير كبير على تقدم الرياضيات. واستخدم الأعداد للعربية، وحل الخلل في التوازن التجاري، وأول من أدخل الصفر للأعداد واستخدم النظام العددي، وأدرج اسمه في مسائل الحاسوب في الغرب، وعالم فلك وجغرافيا وأول من عرّب الجبر ورسم الخرائط، عالم يملك كثيراً من العلوم، ومعلم الرياضيات اليوم فقير علم ومعلومة مقارنة بالخوارزمي، فعليه مراعاة هذه الجزئية، وأن يتجلى في تخصصه ويؤدي مهامه بكل أمانه، لأن الطالب خارج المدرسة أو الجامعة لن يجد من يكمل النقص، فيذعن إلى دروس خصوصية قد تضاعف الفشل.
مشاركة :