الفن ولا شيء عداه بقلم: أبو بكر العيادي

  • 4/20/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

جوفاني مونجانو قال ما أعرفه أني لو انصرفت دون أن أمثّل لألمّ بي حزن شديد. ولكني، بعد العرض، نمت كما لم أنم قط”.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/04/20، العدد: 10608، ص(15)] عادة ما يوصم الفنانون بالجنون، لأنهم غالبا ما يخرجون في سلوكهم عن مألوف ما يتوخاه سائر البشر، حتى اعتاد الناس منهم ذلك السلوك، بل صاروا يجدون له الأعذار، إذا ما تبينوا أن الفاعل فنان، ولو طلى وجهه بالأصباغ، أو مشى على يديه في الطريق العام، أو تقنّع بألف قناع ووقف جامدا في عطفة شارع. كذلك كانوا ينظرون إلى فان غوخ وسلفادور دالي ورامبو وجيرار نرفال ومالكولم لوري وهولدرلين وسواهم. فكيف ينظرون اليوم إلى رجل يقف على الخشبة أمام قاعة فارغة، خالية من الجمهور، ليعرض مسرحية لم يحضرها سواه، عدا موظفة الشباك ومساعدة وتقنيّ. هل هو مجنون؟ أم أن وفاءه لفنّه هو الذي حتّم عليه ذلك؟ هو لم يقم إلا بما اعتاد أن يقوم به منذ مدة. أن يأتي إلى المسرح الصغير الذي يديره، ليؤدي وحده مسرحية عنوانها “ارتجال ممثّلٍ يقرأ” يتولى إخراجها بنفسه، ويحوز رضى القلة القليلة التي يستهويها فنه، وتجد فيه متعة وتزجية لأوقات الفراغ وما أكثرها بعيدا عن العمران. ولكن لخلل تنظيمي ما، قيل إنه تقصير في الإعلام، دقت الساعة التاسعة ليلا ولم يحضر أحد، فألفى الرجل نفسه أمام قاعة فارغة، وحلين لا ثالث لهما: أن يكون أو لا يكون. فاختار الحل الأول، بعد تردد وجيز، وأدى دوره كاملا، دون زيادة ولا نقصان، بشهادة تقني الإضاءة، طيلة ساعة وعشرين دقيقة، ومضى مرتاح البال كمن أدى واجبا على أتمّ وجه. لو تراجع الرجل لما لامه أحد، ولكن وازعا من أعماقه دفعه إلى النهوض بما اعتزم، وإن حار بعضهم في فهم حركته تلك، أهي جنون، أم استفزاز، أم رمزية، أم مجرد وسيلة للدعاية كما اتهمه بعض المغرضين. الثابت اليوم أن حركته تلك كانت سببا في إخراجه من الظلمات إلى النور، فمن الذي كان يعرف مسرحيا يدعى جوفاني مونجانو، باستثناء الجمهور الضئيل الذي اعتاد ارتياد مسرحه في بلدة غالارتي بمقاطعة لمبارديا الإيطالية؟ أما اليوم، وبعد أن تناقلت وسائل الإعلام الكبرى حكايته، فقد صار يشار إليه بالبنان، ويستدعى إلى المنابر، ليعرّف بنفسه وبمسرح الشعب الذي يديره، وهو في فرح مشوب بالخجل، وشهرة جاءته بعد يأس، وفي عمر ينحدر به إلى المغيب. في حديثه لصحيفة “كورييري ديلا سيرا”، لم يستطع جوفاني مونجانو تفسير حركته، واكتفى بأن قال: “ما أعرفه أني لو انصرفت دون أن أمثّل لألمّ بي حزن شديد. ولكني، بعد العرض، نمت كما لم أنم قط”. كاتب تونسيأبو بكر العيادي

مشاركة :