هل أتاكم حديث الفن اللامرئي؟ بقلم: أبو بكر العيادي

  • 6/15/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بصرف النظر عن النية المبيتة في السخرية من متاحف الفن وأروقته وتجاره، كان من بين الفنانين من أخذ المسألة مأخذ جدّ، وراح ينظّر بأن الفن لا ينحصر في الإنجازات المادية.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/06/15، العدد: 10664، ص(15)] من طرائف الأخبار أن إذاعة كندية حاورت منذ ثلاث سنوات تقريبا فتاة تزعم أنها ابتكرت فنا ثوريا، أطلقت عليه مصطلح الفن اللامرئي، ومضت طوال ساعات تصف أعمالها الفنية التي تدّعي أنها أنجزتها، وليس بوسع أحد أن يراها. ثم اتضح أنها مجرد خدعة. ولكن ما لا يعرفه أصحاب هذه اللقطة المازحة، أن محاولات عديدة في الفن اللامرئي سبق أن أجراها فنانون عالميون أشهرهم الفرنسي مارسيل دوشامب، والبلجيكي روني ماغريت، والأميركي أندي وارول. وكانت الغاية منها دائما نقد السائد نقدا لاذعا، إما عن طريق الإثارة، أو السخرية، أو الاستفزاز، ولكن بأسلوب يخرج عما اعتاده الناس، كما حدث منذ بضعة أعوام في باريس، حين أعلن ثنائي يدعى براكسيس (متألف من الأميركي برينارد كاري وزوجته الإسبانية داليا بيخو) إقامة “متحف لا مرئي”، ليس فيه من الفن سوى ما يرويه الزوجان عن أعمال وهمية، وفسرا ذلك بكوننا نعيش في عالمين: عالم مادي يخضع للنظر، وعالم لا مرئي يُرى بالذهن. وبصرف النظر عن النية المبيتة في السخرية من متاحف الفن وأروقته وتجاره، كان من بين الفنانين من أخذ المسألة مأخذ جدّ، وراح ينظّر بأن الفن لا ينحصر في الإنجازات المادية التي تعرض للمشاهدة أو الامتلاك. ويزعم أن ثمة أعمالا فنية -لا يمكن الوصول إليها، لكونها مخفية لا حق لأحد أن يراها، أو منذورة للزوال لا يبقى منها غير ذكرى- قادرة هي أيضا أن تثير الإعجاب وتؤثر في الوجدان. وفي رأيه أن مجرد ذكر عمل اختفى أو صارت رؤيته تستعصي على العين المجردة، يسمح بإعادتها لاحقا إلى الحياة. والحق أن الدافع إلى هذا “التوجه الفني”، الذي يرتكز على مفاهيم نظرية لا يقبلها المنطق السليم، مردّه ما آل إليه الفن المعاصر من استهتار بأصول الفن وقواعده، وخضوعه إلى منطق السوق. ولو فرضنا جدلا أن النية سليمة. فإن ذلك التوجه ليس الطريقة المثلى لتعرية واقع تحوّل الفن فيه إلى مصنع للتجارة والتسويق، على غرار إنتاج الأميركي جيف كونز. فالاحتفاء بما يتركه في النفوس عملٌ لا يُرى ولا يُلمس، والاكتفاء بسردية تصف شيئا متخيلا، يَحولان دون استعمال الزائر المحتمل حواسه للحكم على الأثر، وليس له إلا أن يصدق ما يقول “الفنان”، أو يكذّبه. وأغلب الظن أنه لن يكتفي بتكذيبه، بل سوف يسخر منه، ومن الذين يصدقون هراءه، وسيصرخ كما صرخ ذلك الطفل، بطل قصة أندرسن “ملابس الإمبراطور الجديدة”: “ولكنّ الملكَ عارٍ!” كاتب تونسيأبو بكر العيادي

مشاركة :