هل التاريخ محكمة؟ بقلم: أبو بكر العيادي

  • 4/27/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

التاريخ ليس مشايعا أو مواليا، ولا يقدم دروسا مباشرة، بل هو يمثل وجهة نظر، هي وجهة نظر العلم، ويؤدي مهمة هي محاولة شرح العالم في مسيرته عبر العصور.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/04/27، العدد: 10615، ص(15)] تثير دعوةُ أطرافٍ موالية لحركة النهضة إلى إعادة كتابة تاريخ تونس الحديث أسئلةً حول مفهوم التاريخ كما يراه بعضهم، أي كأداة توظف سياسيا لخدمة فئة أو شخصية ما، على غرار ما كان جاريا وما زال يجري حتى في البلدان الغربية، بالتوازي مع تطبيقات التاريخ العلمية كما وقع تحديدها منذ نهاية القرن التاسع عشر. فالتاريخ في تصور تلك الفئة يقوم على أحداث وشخصيات كبرى ولحظات قوية غالبا ما تُقدَّم في شكل ملحمي، إذ يُستعمل شارلمان أو نابليون مثلا في كتب التاريخ الفرنسية كما تُستعمل الإلياذة أو سيد الخواتم، فيثير الخطاب النزعة الوطنية أكثر مما ينير العقول، ويساعدها على فهم ما جرى. والذين يعيبون عليهم هذا النهج لا يختلفون عنهم إلا من حيث تفضيل حدث على آخر وشخصية على أخرى. أي أنهم يتخذون من التاريخ محكمة لمقاضاة قادة داثرين، للحكم لهم أو عليهم، والحال أن التاريخ، بالمعنى العلمي للكلمة، ليس محاكمة. فهو لا ينتمي إلى السياسة ولا إلى علم الجماليات أو الأخلاق، بل إلى العلوم الاجتماعية. ويتميز بمنهجيات وإجراءات يتم تطبيقها على مصادر متنوعة عبر فرضيات وتأويلات تقع مناقشتها مع أهل الاختصاص فرادى أو ضمن مؤسسات علمية، وتتوق في مجملها إلى أفق محدد هو فهم المجتمعات البشرية في الزمن والفضاء الجغرافي، وشرحها عن طريق البحوث العلمية، وكذلك الكتب والمجلات والمعارض والبرامج الموجهة للجمهور العريض. لأن التاريخ ليس مشايعا أو مواليا، ولا يقدم دروسا مباشرة، بل هو يمثل وجهة نظر، هي وجهة نظر العلم، ويؤدي مهمة هي محاولة شرح العالم في مسيرته عبر العصور. ولئن كان غير معزول عن المجتمع الذي يحيط به، بتداول نزاعاته وتغير قيمه، فإن مشروعه الفكري يرمي في الحدّ الأدنى إلى وضع كل ذلك على حدة، حتى يستطيع بناء علم مستقلّ بذاته. بيد أن هذا المطمح العلمي ليس غاية الجميع، إذ ثمة فريق يريد إقحام رؤيته الأيديولوجية في مخيال شعبي ينظر إلى الماضي نظرة مانوية، فيما التاريخ، بالنسبة إلى الباحث والطالب، مشكل فكري مثير ومحفّز، وليس حلاّ مطمئنا للتمييز بين الخير والشرّ، وتمجيد الأبطال الميتين أو لومهم وقدح سيرتهم. وعودة إلى موضوعنا أعلاه نقول، قد يفلح أنصار النهضة في مسعاهم ما دامت لهم أغلبية الأصوات في البرلمان، ولكن لا شيء يمنع الرجوع عما قد يحوّرونه، إذا جرت الرياح لاحقا بما لا يشتهون، فالأيام دُوَلٌ، كما يقول الرُّندي، ومن سرّه زمنٌ ساءته أزمان. كاتب تونسي أبو بكر العيادي

مشاركة :