القاهرة: «الخليج»أطلال «قلعة شالي» القابعة في أحضان واحة سيوة المصرية، تروي تاريخ ما يزيد على ثلاثة قرون، وهي أحد المزارات السياحية المهمة باعتبارها شاهدة على أحداث تعرضت لها تلك البقعة في قلب الصحراء الغربية. عندما سادت الفوضى بعد عصر الإمبراطورية الرومانية، كانت القبائل تغير على بعضها البعض بهدف الحصول على الغذاء، وكان الأعداء يهجمون على أهالي الواحة في موسم الحصاد من كل عام لسرقة محصولها من الزيتون والتمر الذي يزرعه أهالي سيوة، مما دفعهم لبناء قلعة عالية تحميهم من الغزاة. تبعد قلعة شالي 820 كيلومتراً من القاهرة وتقع على مساحة 55 ألف كم مربع، وهي عبارة عن هضبة مرتفعة تعلوها قمتان، واحدة في أقصى الغرب، والثانية في الشرق، وعليها بنيت العديد من المنازل الكرشيفية التي ظلت مسكونة إلى عام 1926، ومما يحكى أنها بنيت على يد أربعين رَجُلاً من أهالي واحة سيوة، وكانت في أول الأمر من طابق واحد، قبل أن تضاف إليها طوابق أخرى مع مرور الزمن، بلغت خمسة طوابق، تطل جميعها على سور كبير يحيط بالمبنى الذي يضم بئراً للمياه، وعدة مخازن خصصت لتخزين المحاصيل الزراعية.يروي المؤرخ الأشهر تقي الدين المقريزي قصة بناء تلك القلعة في كتابه الأبرز «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»، حيث يصف سيوة بأنها بلد صغير يسكنه نحو ستمئة رجل من البربر لغتهم تعرف ب«السيوية»، وتضم البلدة العديد من حدائق النخيل وأشجار الزيتون والتين، إلى جانب نحو عشرين عيناً تسبح بماء عذب، وقد كانت اعتداءات اللصوص الدافع الأكبر في أن يهجر سكان واحة سيوة بيوتهم منذ قرون بعيدة، ويقيموا في تلك القلعة التي بنوها فوق الجبل، وأطلقوا عليها اسم «شالي»، وهي تعني «المدينة» في قاموس لغتهم.على مدار عقود من الزمان، ظلت قلعة شالي بمثابة الحصن الذي يلجأ إليه أهالي سيوة كلما ألم بهم خطب، فأحاطوها بسور متين البناء، لم يجعلوا له غير باب واحد، أطلقوا عليه اسم «الباب إن شال» أي باب المدينة، قبل أن يبنوا مع مرور الزمن باباً جديدا، في الجهة الشمالية للقلعة، أطلقوا عليه اسم «الباب أثراب» أي الباب الجديد، ومن بعده باب ثالث خصص للنساء فقط، وأطلق عليه اسم «باب قدوحة». وظل الباب الأول يمثل المدخل الرئيسي للقلعة، وهو يؤدي إلى دهليز ضيق به مقعد مشيد من الطين، لجلوس حارس البوابة، ويفضي الدهليز إلى شارع ضيق يمتد إلى داخل القلعة، ويتسع تدريجياً حيث تظهر على جانبيه، بقايا المصاطب التي كان يجلس عليها أهالي المدينة، على بعد خطوات من مسجدها العتيق.يتكون مسجد شالي من مساحة مقسمة إلى ثلاث بلاطات موازية لجدار القبلة، وعليها ست دعامات ضخمة برميلية الشكل، تحمل السقف المغطى ببراطيم خشبية من جذوع النخيل، والمسجد له بابان أحدهما في الجهة الغربية والآخر بالجهة الشرقية، وقد أضيفت مساحة للمسجد من الخارج لها باب يفتح على الجهة الشرقية بجوار الباب الآخر، وعلى يمين هذه المساحة المضافة يوجد السلم الصاعد للمئذنة التي تتشابه في معمارها مع مآذن المساجد في المغرب والأندلس، حيث تتميز بشكلها المكعب من القاعدة، والذي يتصاعد على هيئة مربع يضيق كلما ارتفعنا لأعلى، ويضم المسجد منبراً مكونًا من ثلاث درجات من الحجر الجيري، أما المحراب فعبارة عن حنية نصف دائرية بسيطة، خالية من الزخارف والكتابات، ويوجد بكل جدار نافذتان صغيرتان للإضاءة والتهوية.ظل أهالي الواحة يعيشون في كنف قلعة شالي لعقود من الزمان، خوفاً من هجمات اللصوص، حتى وصلت جنود محمد علي والي مصر إلى سيوة في العام 1820، وفرضوا الأمن في ربوعها، ما دفع سكانها إلى بناء منازلهم من جديد خارج أسوار القلعة التي تعرضت لتدمير كبير في العام 1926، جراء سيول غزيرة هطلت على الواحة واستمرت لمدة ثلاثة أيام، وقد تسببت هذه السيول في انهيار بعض المنازل وتصدع أخرى داخل القلعة، ولم يتبق منها اليوم سوى أطلال تروي قصة خالدة في تاريخ قديم.
مشاركة :