الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم، التي اختارت أن تقف مع الإنسان في تجربتها الشعرية، “العرب” توقفت مع الشاعرة في حوار حول تجربتها الشعرية المختلفة.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/08/14، العدد: 10722، ص(15)] القصيدة تأتي بالشكل الذي تشاء لم تتوقف الشاعرة سوسن دهنيم عن سؤال الشعر في جميع إصداراتها التي بدأتها بالمجموعة المشتركة مع الشاعرة منى الصفار “غائب ولكن” عام 1998، ففي تجربتها اللاحقة تؤكد دهنيم على مدى قدرتها على فهم اللغة وكيفية التعامل معها لا ككيان تعبيري فحسب، بل كوجود مستقل تؤسس من خلاله نصها. ولعل هذا ما يلاحظه القارئ لمجموعاتها “قبلة في مهب النسيان” 2001، و”كان عرشه على الماء” 2008، و”لمس” 2013، حيث الكتابة تمثّل مناخات واحدة ضمن مشروع شعري متكامل لا يمكن تقسيمه في قوالب متفرقة أو نصوص مجموعة. تأتي كما تشاء انتهت دهنيم مؤخراً من كتابة ديوان شعري جديد كان مؤجلا قبل “لمس”، حيث أعادت كتابته برؤية مختلفة، وتتمنى أن يكون إضافة إلى تجربتها خصوصا وأنه يحوي قصائد تفعيلة تنشرها للمرة الأولى. وهو أشبه بسيرة مختلقة حسب قولها. كما تعمل حالياً على مجموعة نصوص ستطبع في شكل شذرات. تقول دهنيم “في مجموعاتي الشعرية الأربع لم أكتب قصيدة تفعيلة واحدة، واعتمدت على قصيدة النثر وحدها، لكن هذا لا يعني أبداً أني لن أكتب قصيدة التفعيلة والعمود. القصيدة تأتي بالشكل الذي تشاء حين نتكلم عن القصائد المتفرّقة، لكني حين أنوي نشر ديوان شعري فهنا يختلف الأمر. أحب أن أهندس كتبي؛ إذ منذ المجموعة الثالثة وضعت لنفسي نظاماً يقوم على ألا أنشر مجموعة قصائد أو نصوص متفرقة، بل أنشر عملاً متكاملاً بجو واحد. وهو ما تلاحظه في ديوان ‘وكان عرشه على الماء‘ الذي كانت ثيمته الأساسية الماء، ولكي أكتبه قرأت بمحبة العشرات من الكتب في ما يخص الميثولوجيا المتعلقة بالماء تحديدا، ووظفت بعض الأساطير والمعتقدات في النصوص بعد أن قسمت العمل إلى فصول بدأتها بأسطورة خلق من مخيلتي ‘في سيرة أصل الماء‘ ثم كتبت ‘سيرة أصل العشق‘، فـ‘سيرة العرش‘. وحين أردت نشر الديوان التالي كان اللمس يغريني فأردته لمساً، وقرأت كي أكتبه كتباً في تشريح اليدين وحول اللمس وكل ما يتعلق بالموضوع، ولأنه كان من واقع تجربتي بزواجي من كفيف كانت يداه هي عيناه، كان لا بد ألا أغفل العمى في فصوله التي تحدثت عن اللمس بين عاشقين ثم اللمس بين الأشياء واللمس عند الأم والكتابة بوصفها لمسا واللمس عند الأعمى وغيره”. وتضيف شاعرتنا متحدثة عن الشعر في زمن الحرب “الشعر اليوم ليس كما يدّعي أنصار الرواية أبداً، فهو بخير، لأنه النبض الذي يرسم ابتسامة على شفاه ثكلى، والضمير الذي يزعزع المنتشي بالدم، والوردة التي تُترَك برفقٍ على قبر ضحية. وبرغم استمرار وجود الشعر الغارق في الشخصنة -وهو الأمر الطبيعي- إلا أن هنالك صوتاً جديداً بزغ من خلال صورة نافذة مهشمة، أو يتيم مذعور، أو منزل لم تبق من محتوياته إلا دمية شعثاء أو عصا مكسورة لم تجد كف من يتكئ عليها. ومع وجود الإعلام الحديث بات الشعر صوتاً للرفض والتضامن والتعبير عمّا يعتري الإنسانية من خذلان دون أن يتحول بالطبع إلى خطابات سياسية أو منشورات ثورية”.واقع تجربة كفيف كانت يداه هي عيناه عملت دهنيم في الإذاعة والتلفزيون، كما عملت في الصحافة الثقافية المطبوعة منذ عام 2004، إذ بدأت في صحيفة “الميثاق”، ثم رأست القسم الثقافي في “الوطن”، وأخيراً محررة في القسم الثقافي بـ”الوسط”. وعن هذه التجربة الممتدة ومدى انعكاسها على نصها الشعري وما أخذت منها أو أضافت إليها تحدثنا الشاعرة “دائما ما يقال إن الصحافة تأخذ من الشاعر أكثر مما تعطيه، لكنني أعتقد أنها لم تأخذ مني إلا الوقت، وأنها أعطتني الكثير في جوانب أخرى؛ إذ فتحت لي هامشاً جديداً في قراءاتي. فحين تكون صحافياً في القسم الثقافي فإن ذلك يتطلب منك محاورة بعض الشعراء والبحث عن أسماء ربما لم تلتقِ بها أو تقرأ لها من قبل، أن تكتب حول ديوان شعري فُرِض عليك، أكان جيداً أو ضعيفا، أن تحضر أمسيات شعرية ونقدية، كل هذه المزاولة أضافت إلي، ولأنني كنت محظوظة ببعض الأصدقاء ممن عملوا في المجال قبلي وحذروني من الانجرار وراء اللغة الصحافية التقريرية، أظن أن ما أخذته الصحافة مني كان أقل مما أعطته لي”. قضايا الشعر إثر سؤال عن غياب القضايا الكونية والأسئلة الوجودية والمواقف الإنسانية عن معظم تجارب الشاعرات العربيات، إذ تجنح معظمهن للإطار الرومانسي/ العاطفي، وهو إطار متشابه بين جيل كبير من التجارب، تجيب متسائلة “ألا ترى أن الشعراء أيضاً يغيّبون الكثير من القضايا في الشعر الحديث، إذا ما تحدثنا عن الخطاب بصيغته المباشرة؟ فمع وجود كل هذا الكم من الوسائل الإعلامية التقليدية والحديثة، لم يعد يطلب من الشعر أن يكون نشرة أخبار أو دعوة إلى الإضراب أو تصريحا سياسيا أو صراخا ثائرا. مع ملاحظة أن القضايا الكونية والأسئلة الوجودية والمواقف الإنسانية عادة ما تكون حاضرة في النص من خلال البسيط واليومي الذي تكتبه القصيدة الحديثة. القصيدة اليوم تكتب مشاعر قائلها، وأحاسيسه تجاه ما يحدث من حوله، سواء الشخصي أو القريب أو الغريب. فالشاعر يكتب السعادة والحزن، الحرب والسلم، الانتصار والهزيمة. وهذا لا يزال موجوداً في شعر المرأة والرجل على حد السواء. ربما يبدو ذلك جلياً عند المرأة باعتبارها الأقدر على التعبير عن مشاعر الضعف والألم والحزن من الرجل”. تؤكد دهنيم وبكل ثقة على أن المشهد الشعري البحريني بخير؛ فالشعر المعاصر -حسب قولها- لم تلوثه المغريات التي لوثت المشهد في دول أخرى، إذ لم يتطفل عليه الكثير من مدّعي الشعر ممن استسهلوا النشر مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي ودور النشر التجارية والقارئ المهتم بالمشاعر المعلبة. تقول “ما زال الكثير من الشعراء البحرينيين يهتمون بتجاربهم وبصقلها ويتخوفون من النشر، وربما من حسن حظنا أننا لا نجد دور نشر كثيرة هنا”. وتتابع في الشأن ذاته “المسافة بين الأجيال لا تعني شيئا اليوم في ظل الانفتاح على الآخر، في ظل عالم بات يقرأ العربي والعالمي، وظل صحافة أصبحت تتناول التجارب بمختلف جنسياتها في كل الدول، وتشير إلى الجيد منها. وبرغم الفجوة الزمنية بين الأجيال الشعرية البارزة على الساحة، إلا أن هذا لا يشكل مرضاً في الساحة، فهنالك أسماء مميزة في شعراء التسعينات وأسماء مدهشة من الأجيال الجديدة لا يمكن أبداً تجاهلها”. ترى سوسن أنه “يجب على الشاعر ألا ينسلخ عمّا يدور حوله، فهو فرد من أبناء الشعب وبطبيعة الحال يعتريه ما يعتري غيره من رغبة في التغيير للأفضل، ورغبة في رفض الظلم وفي الثورة على التمييز. لكن علينا أن نفرق بين إبداع أحدهم شاعراً أو أديبا أو فناناً وبين موقفه. برأيي على المثقف اليوم أن يعلن موقفه كإنسان، ولكن هل يجب عليه أن ينتج شعراً أو فناً أو أدباً يتضمن تلك المواقف؟ هنا يكمن الإشكال”.
مشاركة :