النوخذة عيسى العثمان

  • 5/3/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مساء يوم الإثنين 3 نوفمبر 1997، وبمنزله في منطقة الخالدية، استقبلني النوخذة عيسى عبدالله العثمان، برحابة الصدر وسعة الأفق والاطلاع، وكان اللقاء شائقاً وممتعاً نظراً لخبرته وغزارة معلومات النوخذة الذي ارتاد الخليج العربي والمحيط الهندي وسواحل القارة الهندية وتبعها برحلات أخرى إلى شواطئ شرق أفريقيا حتى خط الاستواء، وكانت حصيلة اللقاء توثيقاً لسيرة حياة أحد نواخذة الكويت الأوفياء.. ولد النوخذة عيسى عبدالله عبدالعزيز العثمان بتاريخ 18 ديسمبر 1923، بمنزل جده عبدالعزيز العثمان الواقع «بفريج العثمان» بالحي القبلي في مدينة الكويت القديمة، وفي طفولته المبكرة ألحقه والده عند الملا محمد الهولي لتعلم القرآن الكريم، واستمر لمدة سنة واحدة، ثم التحق بمدرسة الشيخ أحمد الخميس وهو أحد كبار علماء الكويت الأجلاء لتعلم المزيد من علوم القرآن الكريم واللغة العربية والحساب، وكذلك التحق بمدرسة الملا مرشد من المدارس الأهلية المتطورة في ذلك الوقت، حيث تعلم مسك الدفاتر وطريقة حسابات التجار، بالإضافة إلى علوم الدين واللغة العربية، كما التحق بمدرسة الأستاذ عباس الهارون الذي كان يدرس اللغة الإنكليزية، فتعلم ما استطاع تحصيله من هذه اللغة. فبعد أن أتم الرابعة عشرة من عمره أي في عام 1937، ركب البحر مع والده عبدالله العثمان، فكان والده نوخذة سفر وفي الوقت نفسه تاجراً يعمل لحسابه الخاص وكذلك لحساب التجار الآخرين، وكانت لديه سفينة شراع من نوع «البوم» تعرف باسم «فتح الكريم»، وتقدر حمولتها بنحو «2500 مّن» من التمر وتقل على سطحها 25 بحاراً. النوخذة عيسى العثمان فركب النوخذة عيسى العثمان البحر لأول مرة عام1937، وتعلم من والده الشيء الكثير من علوم وفنون البحر، فالسفرة الأولى كانت لتحميل التمور من البصرة للمتاجرة بها في الهند، وصحبهم على ظهر السفينة النوخذة عيسى بشارة فهو معلم القياس الذي يقيس المسافات والمجاري البحرية بواسطة جهاز الكمال (السكستان) ويطابقها بموقع السفينة على الخرائط البحرية (النولي)، فاستفاد النوخذة عيسى العثمان من هذه العلوم الشيء الكثير من طرق القياس والحسابات البحرية. أما السفرة الثانية، فركب أيضا مع والده النوخذة عبدالله العثمان، وكان معهما النوخذة أحمد صالح السبيعي الذي كان أيضا معلم قياس، وبعد هذه المرحلة في السفرة الثالثة تولى النوخذة عيسى العثمان مهام القياس لمساعدة والده بهذه المهمة، وكان قد برع تماما في هذا العمل الفني الدقيق، وأصبح على دراية تامة بعلوم وفنون البحر والحسابات البحرية. في عام 1941، أصبح النوخذة عيسى العثمان مؤهلا لإدارة دفة السفينة بمفرده، وعهد إليه والده مهمة «التنوخذ» لجدارته وبراعته في هذا المجال، فركب بوما آخر مملوكا لعائلته يعرف باسم «المحمدي» وحمولته أكبر من السابق وتقدر بـ«3000 مّن» من التمر ويقل على ظهره 30 بحارا، وعندما تولى مهمة «التنوخذ» أخذ على عاتقه مهمة القياس بمفرده من دون الاستعانة بالآخرين نظرا للخبرات التي اكتسبها في هذا المجال، واستمر حتى عام 1945 عندما احترق «بوم المحمدي»، فاشترت العائلة «محمل» النوخذة عبدالعزيز المشعل، وهو من نوع «البوم» والمسمى «فتح الخير» وبلغت حمولته «1800 مّن» من التمر. أما البحارة، فعددهم 18 بحارا وتنوخذ على «بوم فتح الخير» لسنة واحدة إلى الهند، وفي العام نفسه أي 1945 اشترت عائلة العثمان «بوما» جديدا تمت صناعته في الكويت، وعرف باسم «بوم المحمدي الثاني»، وبلغت حمولته «2500 مّن» من التمر، وفي العودة أبحر عبر المحيط الهندي إلى شواطئ شرق أفريقيا لجلب أخشاب «الچندل» المستخدمة في تسقيف المباني والبيوت الكويتية القديمة. أما في عامي 1947 – 1948، «فتنوخذ» في سفرتين إلى الهند، وعامي 1949 و1950 إلى الهند وشرق أفريقيا، وفي عام 1951 إلى البصرة والبحرين، وعام 1952 إلى كلكوت بالهند، ثم الأعوام من 1953 ــــ 1958 فتخللتها سفرات للمتاجرة بالذهب، ومن خلال هذه السفرات تعاون مع النوخذة علي الشطي والد صديقنا الأديب الدكتور سليمان الشطي في تصريف بيع الذهب في الهند لارتفاع ثمنه هناك بأسعار خيالية، وبعد نهاية ذلك العام وتوقف سفن الشراع البحري عن ارتياد البحر، وبزوغ عهد جديد في الكويت، استقر نهائياً في الكويت وتفرغ لحياته التجارية الخاصة. النوخذة عيسى العثمان، أصدر كتاباً أسماه «المختار في مجاري البحار»، ويقع في 605 صفحات من الحجم المتوسط، وهو عبارة عن توثيق دقيق للمسالك البحرية التي كانت ترتادها سفن الشراع الكويتية عند سفرها إلى سواحل وموانئ الخليج العربي، وكذلك مدن وموانئ الهند وجنوب الجزيرة وشرق أفريقيا، كما تضمن المعلومات الوافية والمفيدة عن السفر البحري ومتطلباته والأعمال على ظهر السفينة وطريقة توزيع الحصص على العاملين، كما تضمن الكتاب فصلاً شائقاً للحوادث والقصص التي تعرض لها خلال سفراته أو الأخرى التي زاملها مع النواخذة الآخرين.. وكذلك من أعمال النوخذة عيسى العثمان «الرزنامة» البحرية، وهي سجلات يومية يدونها بخط يده أثناء الأسفار، وفيها أبرز ما يشاهده ويصادفه من أحوال وأهوال البحر وعن المسافات وأسماء الموانئ وغير ذلك، وكما لديه مخطوط قام بتنفيذه يحتوي على خرائط تفصيلية للموانئ والأماكن التي ترتادها سفن الشراع الكويتية. النوخذة عيسى العثمان بنى مسجدا كبيرا في منطقته الخالدية، وله من أعمال الخير الشيء الكثير، جعل ذلك في ميزان حسناته. يوم الثلاثاء بتاريخ 2 مايو 2017، غيبه الثرى، رحمه الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، و{إنا لله وإنا إليه راجعون}. د. عادل العبدالمغني

مشاركة :