عن جدي النوخذة عيسى العثمان

  • 5/22/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

إن القلم ليتوه من فرط الرعشة، ولا يعرف ماذا سيخط على البياض، وإن الكلمات لتهرب مني، فلا أستطيع اقتناصها، إذا كان الموضوع عن جدي النوخذة عيسى العثمان، الذي كما يقال في العامية «نرفع فيه الراس»، «وتاج راسي». لقد كان جدي كنزاً بقدمين، كنزاً حوى من الخبرات والتجارب والأسفار والقصص والمواقف الشيء الكثير، فيكفي أن تعرف أنه عاش العهدين، كويت ما قبل النفط، وبعد النفط، ناهيك عن أسفاره إلى بلاد الهند وسواحل شرق أفريقيا، وغيرها العديد من موانئ المنطقة عبر محمله «فتح الكريم»، وغيرها من محامل أسرة العثمان، فاحتك بشعوب ومناطق وقوميات وأديان ولغات. لذا، كان مجلسه فريداً عجيباً باهراً، فقد كان يجول بخيالك من الهند إلى سواحل شرق أفريقيا مروراً بالموانئ العربية، كالبصرة وعدن وغيرهما من موانئ المنطقة. هذا غير الأنس والطرافة في حديثه عن ثقافة وعادات وتقاليد هذه الشعوب، خصوصاً حديثه عن العبادات الغريبة التي كانت شائعة في بلاد الهند أوائل القرن العشرين، وكيف أنه كان يحتفظ رحمه الله بكثير من المعلومات والأحداث والوقائع، هذا غير تجاربه الشخصية مع المؤمنين بهذه الأديان وعن حواراته معهم، حتى لتكاد تظن أنه كان رحالة وليس مجرد «نوخذة» يعمل في مجال النقل البحري. ليس هنا المقام للحديث عن سيرته الشخصية، فقد جمع الباحثون سير نواخذة السفر الشراعي في كتب عدة، ولكن الحديث هنا عن تجربتي الشخصية معه، أي علاقتي معه، علاقة جد بحفيده، عن التقاء مواليد العشرينات بمواليد التسعينات، إنه لقاء تاريخ رجال الشدائد الذين واجهوا الصعاب ومخروا العباب بحثاً عن لقمة العيش الحلال، بواقع الشباب المترف الذي ولد فوق البيوت العائمة على بحيرة البترول. وقد أخطأ الشاعر حين قال: ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من قال ها آنذا فإني لا أملك إلا أن أفخر بك، ولن أملك إلا أن أفخر بك، فرحمك الله يا جدي، فكم سنفتقدك وسنشتاق إليك، لقد رحلت وتركت مكانك فارغاً في صدر المجلس، وفراغاً أكبر في صدور أحفادك، فأين أنت من «استكانة الشاي» التي كنا نحتسيها يوميا بعد الإفطار في شهر رمضان بمعيتك؟ وأين أنت من مجلسنا الأسبوعي بعد صلاة الجمعة في المسجد؟ ومن الديوانية الأسبوعية يوم الأربعاء؟ فإنك، رحمك الله، احتويتنا جميعاً. أما نحن، فقد اختزلنا أنفسنا فيك، فلا معنى لنا من دونك أنت يا جدي! بدر فيصل عيسى العثمان

مشاركة :