كثير من البكا يجتاحني ويمرجح ألوانيويملأني غيابوألف معنى للعتابويكسر فرحتي ويبعثر أقلاميعدم الاستقرار الداخلي يرتسم على الكلمات ويعكس حالة من القلق المشحون بالغياب، ويمكننا تصور هذه الإشكالية بشكل أوضح عبر هذا المقطع:أي المنافي يسكن بصدرك؟وأي أرض استراحت فيك؟علمني بأي إنسان تسكن بحتك، ملامح صورتك، مغناك؟وفي أي المدن مرت خطاك وبعثرت ميناك؟يالله..كم هذا القلق يعبر عليك ويركلك في كل مرة من قفاككأن هذا المقطع المسكون بالألم شهادة على واقع إنسان هذا العصر المسكون بالقلق والتوتر، وهذا ما جعله في الغالب يشعر بعدم الاستقرار الداخلي، ليس على مستوى عكس صورة للأماكن بما فيها من أراض ومناف أو مدن تعج بالسكان، بل يقدر ما تعكس شعور هذا الإنسان في هذه الأماكن بحالة من عدم التوازن، الأمر الذي جعله غير واضح الهوية«علمني بأي إنسان تسكن بحتك ملامح صورتك» أو بعدم الشعور بالأمان «ويركلك في كل مرة من قفاك» وهذا الحال نكتشفه كلما توغلنا في نصوص فهد دوحان رغم تعدد زوايا التناول بحيث يظهر عدم الاستقرار معنا كلما وقفنا عند مقاطعه الشعرية المتناثرة في العديد من نصوصه:يالغايبين:يالغارقين بحزنناردوا نخيل أصواتنا..ردوا ملامحنا علينايالتايبين من الدفا:ومن وصايا العشق بين العاشقين،،لا تكسرون الناي والراعي حزين،،ردوا عليه وسادته،والعبرة اللي كانت بصدره سنين..أسراره اللي دسها بالناي،بعيون تبين!رغم ميل الشاعر إلى هذه اللغة الخطابية نلمس عنده ميلاً واضحاً نحو التلذذ بالحديث عن الغياب لأن هذه الحالة تمنح المتحدث والمتلقي على سواء فرصة التخيل وتأمل ما تخلق هذه الكلمات من معانٍ وإيحاءات، وبعيدًا عن محاولة رصد الكلمات الموحية بالغياب لتأكيد هذا التصور نقول بعيدًا عن هذا التوجه نكاد نستشعر تعلق الشاعر كإنسان بالجنوح إلى الأحلام التي تملأ الفراغ النفسي لدى الإنسان وذلك أنها تعتبر في المقابل ميزاناً نفسيّاً يحفظ له التوازن مع الواقع، وهذا ما نكاد نلمسه عند عمري الرحيل الذي يتناغم مع فهد دوحان، لكن بدرجة مختلفة، حيث نلمس عند الشاعر عمري الرحيل ميلاً إلى التخصيص والحديث عن الذاتية بشكل لافت، علماً بأن الذاتية موجودة عند دوحان وهي كذلك عند العديد إن لم تكن عند كل الشعراء الشعبيين على اختلاف مسمياتهم أو اتجاهاتهم، وها هو الشاعر عمري الرحيّل يميل لهذه الذاتية حينما يقول:القلق يجتاحنيوالصبر محتاجني...ففي هذا الكلام يعكس الشاعر أزمة الإنسان مع القلق والصبر مع القلق باعتباره علامة فارقة في إنسان هذا العصر، المجبول على الخوف من المجهول والتهور، ولعل الشعور بالتهور هو ما دفعه للقول «والصبر محتاجني» وذلك بأنه بحاجة إلى من يوقف عنده هذا الاندفاع.هذا الهم الإنساني يتداخل مع هم الشعر والإحساس فيه وكأن هذا الهم امتداد للهم الأول، حيث يقول الرحيّل:كان شاب.. كان شاعر شابيقطر الليل بعيونه، يفتح جرحه علىمليون بابكان يحلم: لو يساومه الجنونما حدٍ مجنون غيرهرغم تمحور هذا الهم حول نقطة الشاعر الإنسان والحالم بكتابة نص شعري يصل إلى درجة الجنون، إلا أننا نلحظ هنا تركيز الشاعر على هم الإنسان وذلك من خلال هذه الحالة لكنه لم يعطنا شيئاً يذكر في هذه المحاولة، وهي حالة تكاد تلتقي مع مسألة علاقة الشاعر الشعبي بالشعر إلا أنه بالإمكان فتح مجال التصور ليشمل الإنسان ككل رغم اشتماله على هذه الخصوصية، غير أن الشاعر يتعامل مع هذا الموقف في نص آخر بجلاء أكثر من المقطع السابق، حيث يتعاطى مع «هيفا» كإنسان لا من حيث كونها أنثى:وجه... هيفاأغنية من أغنيات الرّحل / البدو / العطاشىالمتعبين من الجفاف..وجه هيفا... غيمةوخيمة جفاف...وجه هيفا لو بدا واضح كثيرفيه شيء ما ينشافوجه فاصل بين نور المتخمينوبيت نار أهل الكفاف!!!كما قلنا قبل هذا المقطع بأن الشاعر تحدث عن «هيفا» كإنسان تعيش هذه الحياة، لا من حيث كونها أنثى لأن الحديث عن الأنثى يثير في الشاعر غرائز متعددة، غير أنه حينما تحدث عن «هيفا» هنا لم يركز إلا على ملامح الحزن لديها وما تعانيه من عذاب، وما تشعر به من كآبة، وهو هنا يعكس لنا الجانب المختبئ في مشاعره كخالق لهذا النص، حيث ركز على الإنسان في ذات «هيفا» بما فيه من شقاء، هازئاً في الوقت نفسه بما أسماه «نور المتخمين» البعيدين عن الهم.ومن خلال هذا المقطع يحاول الشاعر التقاط صورة الإنسان المثال باستخدامه لمفردة «هيفا» بما فيها من جمال وحق وخير، حيث يريد الشاعر من هذا التوظيف ردم الهوة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، وذلك عن طريق تركيزه على هذا المنظر المؤلم المرسوم على وجه «هيفا» ومن ثم تناوله بهذه الطريقة المؤلمة.
مشاركة :