انديرا مطر- بيروت| تتناسل المحترفات الكتابية في بلدان عربية كثيرة، خصوصاً في العاصمة اللبنانية بيروت. لكن الظاهرة عالمية أصلاً. صحيفة الفيغارو الفرنسية نشرت في الآونة الاخيرة تحقيقاً عن أهمية المحترفات الكتابية وجدواها، عرضت فيه وجهات نظر متناقضة عن هذه المسألة. شارك في التحقيق كتاب وروائيون أميركيون وفرنسيون.راي برادبري ◗ الموهبة والحرفة الفرنسيون بصورة عامة متمسكون برؤيتهم الرومانسية إلى الفنون، ويعتقدون أن الإبداع هبة من الخالق، فيما يرى الأميركيون أن الكتابة مهنة كسائر المهن، يصقلها التدريب والتعلّم. ويطرح التحقيق تساؤلات من الصعب أن تجد إجابات حاسمة وقاطعة: كيف تصبح كاتباً؟ هل الكتابة موهبة أو مهارة نكتسبها بالسعي والمعرفة؟ وهل ينبغي على الكاتب ان يمر بورش الكتابة؟ ينقل أوليفر غالميستر أحد ناشري الأدب الاميركي وجهة نظر الأميركيين في الكتابة، فيقول: إن المقارنة لا تصح بين كاتب وجزّار، لكن لا فارق قيمة لأحدهما على الآخر. المقارنة تصح بين كاتب جيد وكاتب رديء، بين جزار جيد وجزار سيىء. انطلاقاً من هذه المعادلة فإن الجامعات الأميركية اعتمدت منذ منتصف القرن المنصرم الكتابة الإبداعية ضمن مناهجها الدراسية. وهناك أسماء كبيرة في الأدب الأميركي خضعت لهذه الدورات قبل ان تدرِّسها بدورها. يتساءل التحقيق: «هل يمكن أن تتخيل شاتوبريان وفيكتور هوغو وستندال وبروست طلاباً على مقاعد هذه المحترفات؟»، ذلك ان فكرة محترفات الكتابة بدأت تشق طريقها في فرنسا. شهادات الكتابة الإبداعية تنتشر منذ عدة سنوات والمحترفات تتكاثر كالفطريات. يوافق اوليفر غالميستر على أن الصوت الأدبي العظيم هو نعمة إلهية، ولكن هذا لا ينفي أن الموهبة تحتاج إلى تثقيف وصقل، ويسأل: «لماذا تصدمنا فكرة تعلّم الروائي الكتابة في حين ان الرسامين يتخرجون من كليات الفنون الجميلة والموسيقيين من الكونسرفاتوار؟».◗ رأي فرنسي لا يوافق الروائي الفرنسي باتريك غرانفيل، حائز غونكور عن روايته «المتوهجون»، على هذه المقاربة. فبرأيه ان الرسامين الكبار في المرحلة الانطباعية على سبيل المثال تسربوا من المدارس الرسمية التي كانت تنوي تشكيلهم! ويشكك في جدوى الورش الكتابية على الرغم من إقراره أن هذه المدارس أفادت الرسامين وعلمتهم تقنيات مفيدة، وأن بيكاسو نفسه، الذي خرج على كل الأنماط، كان طالباً في كلية فنون برشلونة حيث تعلم فن الرسم.غرانفيل، يبدو مقتنعاً بأنه لو خضع هو نفسه لإحدى المحترفات الكتابية لاقترحوا عليه تشذيب نصوصه واقتطاع فقرة من هنا وهناك، أو بعبارة أخرى «التنكر لنفسه». ويسخر صاحب «الملائكة والصقور» من مفاهيم «الديموقراطية»، التي تسوّغها ورش الكتابة، بأن الجميع لديهم الامكانية ليصيروا كتاباً ذوي شأن. المساواة في الإبداع غير ممكنة، الورشة فكرة جميلة لكنها في نهاية الأمر مؤسسة عمل. «الإبداع مغامرة شخصية، وهنا مكمن الجمال فيها. القراءة والكتابة هما حجر الأساس لبنية فن الكتابة الذي نمتلكه بقدر ممارستنا له»، يقول غرانفيل، الذي كان ينسخ بيده مقاطع كاملة من مؤلفات شاتوبريان في أيام مراهقته.◗ الموهوبون العاجزون لا يرى غرانفيل سوى ميزة محتملة لمحترفات الكتابة وهي أنها تعزز ثقة أولئك الموهوبين العاجزين عن التعبير عن موهبتهم، إما لكونهم مكبلين بالأنا الساحقة أو لأنهم يغدقون على الكتابة هالة مقدسة. جان فيليب أروفينيون، الروائي والناشر في دار غاليمار، اعتبر ان مهمة محترفات الكتابة التي يديرها «إزالة العوائق التي تقف حائلاً في طريق الموهوبين». ففي هذه المحترفات يكتشف المشاركون أن الكتّاب معظمهم متخبطون، فوضويون، ويرمون ما يكتبون أو يعيدون كتابته مراراً». يحرص الكاتب الفرنسي كل الحرص على عدم فرض أي أمر على طلابه، يقول: «لا أمرر إليهم تعليمات، بل أتبادل وإياهم تجربةً، أشاركهم الصعوبات التي واجهتها في الكتابة وطريقتي الخاصة في حلها، مشدداً عليهم أن يكون لكل منهم أسلوبه الخاص».◗ لحظات الحقيقة كلير ديلانوي، روائية وناشرة لدى دار ألبان ميشال، وهي التي جمعت نصائح تشيخوف وستيفن كينغ وكونديرا وايرفينغ في كتاب واحد عنونته «رسائل إلى كاتب شاب» – تجد أنه من الألوية أن نسأل لماذا نكتب؟ ما الذي أرغب في قوله ويعجز عنه سواي؟ وكيف أفعل ذلك؟ ثم تجيب عن هذه الأسئلة بأن محترفات الكتابة يمكن أن تكون المكان الذي تطرح فيه هذه القضايا الجوهرية وغيرها من الأمور التقنية حول فن السرد، وفن الحوار.. وما إلى ذلك .وتضيف «لكن هناك وقتاً للتفكير ووقتاً للكتابة. لحظة الكتابة نخلع عنا كل شيء ونرميه وراءنا. علما أن الاستغناء هنا هو خلاصة تجربة شخصية. في لحظات الحقيقة هذهباتريك غرانفيل يشعر الكاتب بالسعادة لتلك الكلمات التي عبر بها عن شيء لم يكن واثقا من قدرته على التعبير عنه. وهذه المتعة لا تتعارض مع المثابرة والانضباط اللازمين للكتابة، بل انها ثمرتهما.◗ متعة وشغف يقول الكاتب الأميركي الراحل راي برادبري صاحب رواية فاهرنهايت 451 في كتابه «الزن في فن الكتابة» إن الكتابة من دون حب وتشويق تجعل منا أنصاف كتاب. «إذا كنت تكتب بلا لذة، بلا متعة، بلا حُب، بلا لهو، فأنت نصفُ كاتبٍ فقط. هذا يعني أنك مشغولٌ جدا بإبقاء عينك على السوق. أول ما ينبغي للكاتب أن يكونه، هو أن يكون متشوقاً. يجب أن يكون شيئاً مصنوعا من النشاط والحمى. دون حيوية كهذه، سيكون من الأفضل له أن يخرج لقطف المشمش وحفر الخنادق». في كتابه هذا جمع برادبري نصوصاً لكتاب كبار يتأملون في فنهم ويتبادلون خبراتهم ويمكن ان يكون معيناً لمن ينفرون من فكرة العمل الجماعي في المحترفات الكتابية.◗ نصيحة للكتاب العرب برادبري أطاح في كتابه هذا بتصور يتشاركه الكثير من الكتاب العرب خصوصا أن الكتابة معاناة، فقد رأى فيها «لذة ومتعة» وحرّض الكتاب على جعل الكتابة لعبة، مدينة ملاهي عملاقة يدلفُ إليها الكاتب: «ابتكروا شخصية تشبهكم إمنحوها خريطة طريق مع بعض التعليمات وارموها بعيدا عنكم. ثم اتبعوها بأسرع ما يمكنكم، محملة بحبها الكبير أو بكراهيتها، ستقودكم هذه الشخصية بأقصى سرعة حتى نهاية القصة».◗ الانغماس في الحياة في الختام لا بد من السؤال: هل ينبغي على الروائي أن يمر بورش الكتابة؟ يقول الروائي الأميركي جون إيرفينغ الذي انتمى يوما إلى أحد المحترفات: «النصائح وفرت عليّ الوقت. ولكن ما كشفته لي حول كتاباتي، كنت بالتأكيد سأكتشفه بنفسي يوماً ما. ما ينبغي على الكاتب فعله: ان ينغمس في الحياة، أن يقرأ بشغف، أن يتأمل قليلاً، وأن يكتب بثبات».
مشاركة :