الوطن والمواطن.. من يسكن الآخر؟ | محسن علي السُّهيمي

  • 5/21/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

نحن أمام معادلة لها حدَّان، الأول يتمثل في (الوطن) والثاني يتمثل في (المواطن). وإذا كان العارفون بعلم الرياضيات يقولون إن هناك معادلات مستحيلة الحل، فإن معادلتنا هذه لها حلولها المتكاثرة. الوطن يتعدَّى كونه (مفردة) تلوكها ألسُن البعض إلى مكوِّنات أرحب تتمثل في الوطن (القيادة، الإنسان، الجغرافيا، المقدسات، الثروات، المقدرات، المنجزات) وغير ذلك. أما المواطن فهو يشمل الجنسين (الرجل والمرأة) اللذين نَعما بخيرات وأمن واستقرار وعطاءات وطنهما. بعد هذه التوطئة الضرورية يرتسم السؤال العريض أعلاه مرة أخرى: الوطن والمواطن.. من يسكن الآخر؟. عليه أقول: ما وطن على ظهر الأرض أو تحت أديم السماء إلا ويمثل الوعاء الحاضن، والقلب الكبير لمواطنيه الذين وُلدوا على ثراه، ودرجوا في أرجائه، فتراه -أي الوطن- لا ينفك عن بذل أقصى ما يمكن بذله في سبيل أمنهم وراحتهم ورغدهم ورفعتهم. جغرافيته تتسع لهم، وصحاريه وجباله وبحاره وفضاؤه تغدو مسرحًا لهم، وقيادته تحرص عليهم وتوجههم، ومقدساته مصدر إلهام وسعادة لهم، ومقدراته الطبيعية ينابيع خير تفيض عليهم، وأُناسُه مصدرُ أنسٍ ولُحمةُ وفاءٍ لبعضهم. الوطن عالَم متعاظم من المحبة والوفاء والعطاء، الوطن قلبُ أمٍّ وصلابةُ أبٍ ومحبة أخٍ. الوطن أنهار خير ومصدر رزق وهبة إلهية ينعم بها من ينتسب إليه ومن يأوي إليه. أما المواطن الذي يمثل الحد الثاني في معادلة التوازن هذه فهو الذي ما فتئ يبذل قصارى جهده للحفاظ على وطنه بكل مكوناته (قيادةً وإنسانًا وجغرافيةً ومقدساتٍ وثرواتٍ ومقدراتٍ ومنجزاتٍ). المواطن بدوره مؤمن أشد الإيمان بوجوب الحرص البالغ والعمل الدائب في سبيل الوطن بمكوناته السابقة كلها. المواطن يعلم علم يقين أن بقاءه مرهون ببقاء الوطن بكل مكوناته، وأن اختلال أي مكوِّن منها فهذا يعني في محصلته النهائية حدوث الخلل المفضي إلى الفرقة والتشتت، وهو ما يعني دخول المواطن في نفق مظلم لا ضوء قريبًا يومض في نهايته. عند تقليبنا لحدي المعادلة السابقة نجدهما متداخلَين لدرجة يصعب علينا التمييز بينهما، فيغدو ما نراه حدَّينِ حدًّا واحدًا متمازجًا تمازجًا حميميًّا، تتشابك مكوناته وتتلاحم فيما بينها حتى تغدو كتلة واحدة لا يمكن الفصل بينها. تأسيسًا على ما سبق، ولما رأيناه من حالة التمازج والتداخل بين الوطن والمواطن، فإنه يمكننا القول إن الاثنين (الوطن- المواطن) يسكنان بعضهما؛ إذ لا مجال لتأويل عملية التمازج تلك، وتأويل صعوبة الفصل بين مكوناتها إلا بالقول إن الوطن والمواطن يسكن كل منهما الآخر. معنى هذا أن المواطن متى استحضر الوطن بمكوناته (جميعِها) فإن حالة من الانتماء والعشق الوطني ستتلبسه، وأن الوطن متى استحضر المواطن بكل إيمانه العميق تجاه الوطن، وبكل تضحياته ودأبه الذي لا يفتر ولا يني فإن كلاًّ منهما يغدو صورة حقيقية صادقة للآخر. لكن، متى قُصد بالوطن مكوِّنًا واحدًا أو بعضًا من المكونات السابقة دون بقية المكونات، أو قُصِد بالمواطن مجرد المتلقي غير الباذل المكافي فهذا يعني اختلال حدَّي المعادلة. وبعد..فالوطن هو المواطن، والمواطن هو الوطن، ولا تنشأ عملية التنافر بينهما إلا بفعل إصرار المغرضين على صناعة بؤر الشك بينهما والنفخ المستمر في أوارها، وتفسير مفهوم الوطن والمواطن وفق أهوائهم المعتلَّة. وقفة: نرحب في اللجنة الثقافية بالعرضيات التابعة لأدبي جدة برئيس أدبي جدة د.عبدالله السلمي ومرافقِيه، وبرؤساء اللجان الثقافية التابعة للنادي، وبالشخصية الثقافية المكرمة هذا المساء الأستاذ علي بن خضران القرني ومرافقَيه الأستاذ حماد السالمي رئيس أدبي الطائف سابقًا والشاعر عايض الثبيتي، وبالناقد الرياضي الأستاذ أحمد الشمراني في الأمسية الشعرية الختامية التي يحييها الشاعران (د.سلمان القرني وأحمد حلواني) ويديرها الأستاذ محمد قحيدي بقصر المعالي. Mashr-26@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :