لا تسألوا أنفسكم عن العنوان، ولا تأخذكم العجلة فسآتي عليه. لكنني أبدأ بالقول إن البعض من مواطنينا يُبالغون بالتذمّر من الطقس القاري، ويتبرمون من مواسم يُخيم فيها الغبار أو يشتد السموم أو الرطوبة في مناطق شتى من بلادنا. أقول إن ذلك التبرم -في غالبه- يأتي من أولاد النعمة، رغم كونهم يتنعمون بما أفاء الله من ترف يتمثل في مساكن مُترفة بها ملاحق (للشلة) وبرك سباحة وتكييف تتعهد صيانته مؤسسات مرتفعة الفواتير، وربما استراحة (ولنسمّها شاليه) فيه من الترف والرفاهية وأسبابها الكثير. ومن حق المرء التعبير عن معاناته بكل حرية، لكن الاختلاف حول طريقة التعبير، والتي في الغالب تأخذ منحى السخرية والتهكّم. وسمعتُ من يقول إن جزيرة العرب مكان لعيش الجمل والضب، ولا مكان للتمدن أو للبشر بين وديان ورمال قاحلة تنتظر المطر في موسم، والذي قد يأتي أو لا يأتي. وقاطن الصحراء تاريخه معروف فقط بالرعي يتقاتل حول الآبار والمرعى، ويظهر هذا من الأدب الروائي ومن الشعرالذي كانت من أهم أغراضه توقّع الرعد والبرق (كريم ياباقٍ). غَزَل.. وأيضا جزل. ماقاله ذلك القائل صحيح، لكننا في شبه جزيرة العرب مثل غيرنا في مقارعة الأنواء. ففي الأرض مناطق كثيرة بلغت أوجاً في المدنية والتقنية، تلمع أضواؤها القرمزية، ثم، وفي اليوم التالي، تكتسحها عواصف تدمر كل شيء وتُساوي المدن بالأرض بطرقها وجسورها ومستشفياتها وبنيتها الأساسية، وعلى قاطنيها أن يبدأوا التعمير من جديد. ثم إن الوثائقيات تُظهر قرى في القطب الشمالي من الأرض، وفي صحاري منغوليا وروسيا والتّبت، وسائل المواصلات فيها زحّافات تجرها كلاب أو نوع من الغزلان، وعليها يعتمد السكان في التعامل مع قسوة البيئة. ورأيتُ في (ناشونال جيوغرافيك) كيف يسير القوم عبر جبال ووديان خطرة وعلى أرجلهم وبواسطة حبال للوصول إلى مدرسة تستقبل أولادهم. تقودني مناسبة الحديث عن "أصحاب النخلة" وهو أن الطرائف تترى في هذا الفصل عن الطقس وتغيراته في منطقتنا. فقد وصلتني طرفة من مُعلّق يقول فيها إن ثلاث وفيات بشرية حصلت في أوربا عندما بلغت درجة الحرارة عندهم 36 درجة مئوية. وحاول مقارنة حالتهم تلك بحالة رجلين جلسا تحت أثلة في القصيم يتناولان جحّة (بطيخة) أو (حبحب) وقال أحدهما للآخر: يقولون الصيف باقي عليه أسبوع ويدخل (يحلّ)، غير عابئين بما تمر عليهم من رياح سموم الصحاري المحيطة بمزرعة أحدهما، هذه الأيام، وقد قاربت الحرارة الخامسة والأربعين مئويّة. والصيف في رأيهما لم يحلّ بعد..! الرجلان من الجٍمال، لكن في الصبر والتحمّل.
مشاركة :