هل نقيم المحاكم على من أجهضوا كثيراً من مشاريع التنوير والتطوير في التعليم؟ هل يرفع الأستاذ «محظوظ» قضية شرعية أو قانونية يطالب بحقه؟ ويبدأ في سلسلة مرافعات ومدافعات وسط أجواء مشحونة بطاقات لا يزال معظمها سلبياً تجاه أهل الفكر أو على الأقل أهل الأفكار. بالطبع لست أنشد القصاص، أولاً لأنه صعب التنفيذ وسيتنصل الجميع من المسؤولية الآن، وثانياً وهذا في رأيي الأهم، أن ما طبق على السحيمي محمد، وليعذرني لتكرار اسمه فهو المثل الحاضر أمامي لعشرات القصص المشابهة، ما طبق عليه ويطبق في كثير من قضايا النقاش والحوار الاجتماعي والثقافي وينعكس سلباً على حياتنا وبعض سلوكياتنا، ليس القانون. ليس القانون المدني الموضوع من المشرع للعقوبات، ولا القانون الشرعي الصحيح، إنه شيء أشبه بالعرف، كأنها قوانين عرفية خاصة بمجموعة من البشر، عرفية في نظرياتها الإقصائية، لكنها تجد أرضاً خصبة في تطبيقاتها باستخدام من يفترض أنهم يطبقون القانون بغض النظر عن طرفي النزاع. بالعرف الاجتماعي يوزع البعض التهم والاتهامات، ويجد من خلفه العامة بين مؤيد حقيقي لأنه مستلب له ومؤيد زائف، لا يعرف بديلاً فكرياً أو طريقة نقاش، ويخشى العيب الاجتماعي، الذي هنا هو الأحكام العرفية الاجتماعية التي ألبسها البعض لباساً أكبر منها، فيميل إلى الصمت، وإذا أجبر على إعلان عدم حياده يميل إلى الجهة التي لا تحاكمه عرفياً بالتصنيف والإقصاء، ومن ثم قطع العيش والرزق عبر الفصل من الوظيفة مثلاً. بأعراف مختلة أو هي «محتلة» يسن البعض القوانين للناس، وليس العكس كما يفترض، يخرج معتوه أو متخلف أو حتى فاشل فيتهم الناس في أخلاقهم أو أعراضهم بالجملة لأنهم أطباء أو شعراء أو لاعبي كرة أو أهل لسيدات وبنات يتعلمن في الخارج، ولا يقيم أي منهم قضية قانونية رسمية ضده، ولا ضد القناة التي تتيح له هذا الهراء، لماذا؟ لأنهم يخشون أن يكون بين من سيحاكمهم من يؤمن بالعرف أكثر من القانون، بل هنا أقول أكثر من الدين العظيم الجميل منبع السماحة نفسه، ليس هذا فحسب، بل إن أصحاب العرف حتى لو كان مغلوطاً أكثر قدرة على تجييش العامة معهم ضد هؤلاء «المتحررين». ينجح أهل العرف لأنهم يمحورون كل شيء حول الجسد، ذلك المقدس في المخيلة فقط على رغم امتهانه بممارسات كثيرة ليس هذا محلها، ويفشل أهل القانون لأنهم يلجأون إلى العقل، وليس المقصد القضاة والمحامين، المقصد من يريد التفكير بالطريقة القانونية، ويحاسب ويسمح للآخرين بمحاسبته بناء على أسس واضحة من الشرع والنظام. ليس بالضرورة أن تفتح ملفات لقضايا شرعية أو قانونية، لكن من المهم أن نحاكم الأساليب الإدارية والاجتماعية والتعليمية من خلال قراءة معمقة لقصص حدثت وسكت عنها أصحابها طائعين أو مجبرين، فمن يروم مستقبلاً آمناً على أرض الواقع لا بد له من توفير الأمن للأفكار لكي تقال وتعلن وتناقش، ثم تأخذ حقها في التنفيذ، أو التنحي إذا كانت فاشلة أو غير صحيحة. كان العرف جميلاً، وأتى الدين ليتممه، فشوّه البعض الدين والعرف معاً.
مشاركة :