من يتتبع حال الفتاوى الشرعية التي تطلق هذه الأيام -من قِبَل غير المختصين- عبر كثير من القنوات الفضائية وعبر بعض محطات البث الإذاعي وعبر بعض منابر المساجد والمجالس تشعرنا أن أحكام ديننا الإسلامي لم يكتمل نزولها إلا اليوم، وهذا بالتأكيد يخالف نص الآية الكريمة في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).. هذه الآية الكريمة التي تؤكد اكتمال تعاليم هذا الدين الحنيف لكن في مقابل ذلك الحسم التشريعي نجد أن بعض الشيوخ أو المستشيخين يُطلقون العنان لفتاواهم دون حسيب أو رقيب حتى أصبح ما يُحرِّمه الشيخ الفلاني يُحلِّله الشيخ العلاني، وما يُحرّمه هذا الشيخ اليوم يُحلّله نفس الشيخ بعد أشهر أو أعوام، وهذا بالتأكيد يُخالف مضامين الحديث الشريف الذي رواه أبوداود عن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ).. ويخالف نص التوجيه النبوي الكريم في حديث: (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس).. حيث نجد التأكيد على بينونة الحلال والحرام. أما الأمور المتشابهات فهي بالتأكيد التي تقع تحت مظلة المستويات الأخرى كالمُباح والمكروه والواجب... ونحوه، وهو ما يستوجب أن يكون مجالاً للفتوى من قِبَل العلماء المتخصصين. ولكن يبدو أن حالة الانفلات الفتوية التي برزت حديثاً من قبل البعض قد ساهمت في بروز ذلك الزخم الكبير من القنوات الفضائية والإذاعية التي أصبحت لافتة للانتباه ومتاحة لكل مستشيخ أن يبرز بما يخالف به من الفتاوى، وخاصة أننا نعيش مرحلة يغلب عليها الانفلات الرقابي الشرعي الذي يستوجب تحديد معالمه ومساراته من قبل المؤسسات الفقهية الإسلامية، ويستوجب أيضا تحديد معايير شرعية مقننة يضعها عدد كبير من علماء الفقه داخل تلك المؤسسات الجمعية ويمنع منعاً باتا صدور أي فتوى للتحريم إلا من قبل تلك الجهات الإسلامية المعتمدة من كل الدول الإسلامية، لكن أن يُترك الحبل على الغارب في أمور التشريع الإسلامي، بالتأكيد سيفضي بنا إلى متاهات شرعية لا تُحمد عقباها وخاصة في ظل منابر الإعلام الجديد الذي نعيشه. أما بعض القنوات الدينية، فأتمنى منها أن تتولى أمر الدعوة بالحسنى ونشر تعاليم وقيم ومبادئ ديننا الإسلامي السمحة بمختلف اللغات ووفق الوسطية الإسلامية التي حث عليها ديننا الإسلامي في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وكم أتمنى أن تلتزم تلك القنوات والمنابر بحصر الفتوى في الأمور المشتبهات التي لا تصل إلى حد التحريم على أن تكون تلك الفتاوى صادرة من علماء متخصصين، وبذلك نكون أغلقنا الباب على البعض من الراغبين في الشهرة على حساب تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يحث على قِيَم الحب والصدق والتكافل والوفاء والتعاون والرحمة والعفو ومبادئ العدل والمساواة وغير ذلك من المبادئ والقيم الفاضلة التي حث عليها ديننا الإسلامي في الكثير من الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة. ولعل هذه المرحلة التي نعيشها والتي أصبح فيها العالم يعيش في قبضة اليد الواحدة، وأصبح التواصل اللحظي في متناول الجميع، يستوجب على القائمين على مؤسسات الدعوة والإرشاد أن يستثمروا ذلك وأن يتجهوا بأنشطة تلك المؤسسات إلى أصقاع الأرض عبر تلك الوسائل المتاحة، وألا يشغلوا أنفسهم بأمور قد تجاوزها الزمن بل إن عليهم أن يراعوا ذلك التدفق المعرفي الهائل الذي أفرزته تلك المخرجات التقنية التي نعيشها ونراها أمامنا تتسارع بصورة مذهلة ونحن نقف أمامها عاجزون ندور في حلقات مفرغة لا تتجاوز حدود مكاننا، وكم أتمنى من تلك المؤسسات الدعوية أن تحتضن العالم تحت مظلة قيم ومبادئ ديننا الحنيف، لا من خلال توجهاتهم الطائفية أو المذهبية ذات التوجه الإقصائي التي تسهم في تباعد الفجوة بين عالمنا الإسلامي وبين الأمم الأخرى. والله من وراء القصد. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (43) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :