ضاعت قبلتي الأولى بقلم: شيماء رحومة

  • 7/11/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

العالم أصبح بين فكي كاميرا تتجول بين الأزقة وخلف ظلال الأشجار الوارفات وبين تلاطم الأمواج الضائعة، وبين عيون ثاقبة لمخرج احترف فن الإخراج خطأ مطبعيّا غير مقصود.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2017/07/11، العدد: 10688، ص(21)] "وقف مشدوها متأملا الكرات البلورية الصغيرة تتدحرج من عينيها اقترب منها وأراد التخفيف عنها، وأخذ يلتقط الكرات بلسانه فوجد مذاقها مالحا وساخنا أعجبه ذلك إلى أن انفلتت إحدى الكريات إلى فمها فسارع إلى لعقها لكنه لامس شفتيها ووجد مذاقا أكثر حلاوة"… آه من ذاكرتي العجوز خانتني هذه الجمل القصيرة، هي فقط تصوري لما علق بذهني من حصص المطالعة بالمدرسة الإعدادية لأقصوصة وضع كاتبها تصوّرا للقبلة الأولى بين آدم وحواء. أذكر أن الكاتب صاغ أقصوصته بشكل أعجبني كثيرا حتى طبع البعض منها في خيالي الغض، وبعدما مرت السنون وجدتني أعصر الذاكرة ومحرك البحث غوغل عصرا للظفر باسم المجموعة القصصية وصاحبها، ولكن دون جدوى ضاعت قبلتي الأولى.. أقصد تصوري للقبل. طبعا لا شيء يأتي من عدم فما جعلني أبحث في أرشيف ودفاتر الماضي هو تصوّرات وقراءات الحاضر للقبلة التي باتت صور أغلفة زيجات المشاهير العرب مؤخرا على منصات مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. أبدى أغلب النشطاء تذمرا من هذا الانفتاح المتلبس بعادات الغرب خادشا للحياء العربي وتبجحا بالشهرة والمال، لأن مختلف الشرائح العمرية بجل الشعوب العربية مازالت مرتبطة إلى حد ما، حتى دون أن تعي ذلك وعيا كامل الشروط، بالعادات والتقاليد ونظرة المجتمع والتشديدات الأسرية الرافضة لمثل هذه الممارسات العلنية. ومن حسن الحظ أن الأمر لم يتجاوز قاعات الأفراح إلى مسابقات منظمة على أرصفة الشوارع العربية برعاية الشاشات الصغيرة العامة والخاصة المسموعة والمرئية، درءا لأشلاء شهداء الحروب الدامية وتضليلا للرأي العام وترفيعا لدرجات حرارة الأجساد المنهكة بقبل حارة. هذه ليست مزحة فللقبل يوم عالمي يوافق السادس من شهر يوليو من كل عام وتحرص البعض من البلدان احتفالا بذاك على تنظيم فعاليات مختلفة من بينها مسابقات متنوعة يتنافس المشاركون فيها على أطول قبلة أو أجمل قبلة، حتى أن رجلا وامرأة من تايلاند دخلا موسوعة غينيس بفضل قبلة دامت 58 ساعة و35 دقيقة و58 ثانية. ماذا لو فكر العرب في خوض غمار هذه المنافسة الشرسة التي انطلقت شرارتها في بريطانيا نهاية القرن الـ19، وقيل إن الأمم المتحدة لم تقرّ يوم القبلة العالمي سوى قبل 20 عاما تقريبا، من سيتقدم للمسابقة؟ خصوصا وأن القبلة لا تجمع فقط بين المتحابين بل بين الساسة مثلا كتقليد لإظهار الارتباط الوثيق بينهم، وهذا طبعا كان من حسن الحظ في الماضي، أو بين المثليين بوصفهم شريحة مجتمعية دخيلة على نواميس العالم، أو بين الأطفال أو بين العالم الافتراضي والواقع، أو بين الماضي المحتشم والحاضر المفضوح. كل الاحتمالات واردة ما لم توثق ذلك كاميرات المتطفلين التي باتت ترصد كل حركات وسكنات الخلق وتنشر غسيلها على صفحات الفيسبوك بين قارعات الـ”جروبات” لمن يتفاعل معها بأكثر “جامات” وتعليقات سخيفة ومستهلكة. يجوز القول فعلا إن العالم أصبح بين فكي كاميرا تتجول بين الأزقة وخلف ظلال الأشجار الوارفات وبين تلاطم الأمواج الضائعة، وبين عيون ثاقبة لمخرج احترف فن الإخراج خطأ مطبعيّا غير مقصود، فبعد أن كانت أول قبلة على الشاشة ضمن فيلم “القبلة”، الذي عرض لأول مرة عام 1896 وأثار المشهد جدلا كبيرا وقتها بسبب طبيعة المجتمع المحافظة آنذاك، صار اليوم تتمة لكواليس الواقع ويعرض بالمجان دون صالات عرض ينشغل في ظلمتها البعض باقتباس مشاهد الفيلم. كاتبة تونسيةشيماء رحومة

مشاركة :