رمضان شهر الأشواق الروحية | أ.د. سامي سعيد حبيب

  • 6/28/2014
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

ها نحن نستقبل شهر رمضان المبارك لعام 1435 هـ ، و الشهر شهر الغيث الإيماني المنهمر من رب السموات والأرضيين و كما أنه شهر التقوى و الصبر فهو كذلك شهر النفحات الرحمانية و الموائد القرآنية ، وهو كذلك لمن صامه إيماناً واحتساباً رحلة أشواق يتدرج فيها المسلمون في القرب من الله يوماً بعد يوم وهم يتطلعون إلى نفحات وهبات رب العالمين ، كيف لا وهو شهر فيه ليلة واحدة خيرٌ من ألف شهر ( 83 عاماً ) ليلة واحدة بعمر الإنسان كاملاً من أحياها إيماناً واحتساباً فكأنما قضى كل حياته راكعاً ساجداً مبتهلاً بخٍ بخٍ من الكرم الرباني ، فكل عام والأمة الإسلامية بألف خير. ومع ذلك لا يكاد يختلف اثنان بأننا نعيش أشد عصور البشرية مادية ، وأن غالبية أفراح الناس في هذا العصر أصبحت مرتبطة بتحقيق عرض من الدنيا زائل فمن الناس من يشكل كسب المال الوفير و تبذيره يمنة و يسرة أكبر ملذات الحياة عنده ، أو امتلاك الفلل و البيوت الراقية والعقارات الثمينة ، أو اقتناء السيارات الفارهة الفخمة ، أو تولي المناصب العليا ، أو السفر إلى بلاد السياحة الرائعة حيث درجات الحرارة المريحة والتنظيم المبهر والسلوك المتحضر والمناظر الطبيعية البديعة والمآكل الفاخرة والفنادق 7 نجوم .. الخ دون كبير تفكير في المصير ، و الفرح المذموم بجمع الدنيا كفرح قارون الذي نصحه قومه ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) فرح مذموم ، لكن المسلم مطالب بنوع آخر من الفرح بالطاعات والقربات ومن ذلك الفرح بقدوم وصيام و قيام الشهر و معايشة القرآن فيه ( قل فبفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ) ، ورمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار لابد أن يورث النفوس والقلوب المؤمنة درجات من الفرح و السرور لا تتوفر في غيره من الشهور. فهل استعددنا أفراداً و مجتمعات لنستشعر هذا الفرح بهذا الشهر المبارك في عصر الماديات وعصر الفضائيات والعولمة ؟؟؟ ، وهل نستشعر المتعة الروحانية الرمضانية كما كانت تستشعرها أجيال المسلمين السابقة ؟ كان من بين أسباب السعادة برمضان في ما مضى تجانس الرؤى بين الناس في المجتمع المسلم قبل أن تتبدل القيم وتتغير المفاهيم مع تفاوت بين الناس في التقى والصلاح والالتزام ، قبل استبدال البعض منا الذي هو أدنى بالذي هو خير من المستغربين الذين قد لا يعني لهم رمضان الشيء الكثير فهم يتمنون أن يستغرب المجتمع المسلم لأن ذلك من وجهة نظرهم هو سبيل الرقي والتقدم. هذا الخلط الذي يطرح من قبل بعض المنابر الإعلامية المرئية وتحشد له الفضائيات إمكانيات هائلة وشعارهم "رمضان يجمعنا" بالمسلسلات الهابطة والبرامج الملهية التي تعكر صفو الشهر و تذهب ولا ريب بقدر كبير من روحانية الشهر ، والبعض منها يقوم مقام من صفدهم الله عن عباده المسلمين في الشهر. كان من بين أسباب الفرحة العارمة برمضان في الزمن الجميل كما يسميه البعض التعبئة الوجدانية التفاعلية مع قدوم الشهر كمثل تحري دخول الشهر وإنتظاره من قبل الجميع كباراً و صغاراً رجالاً و نساءً انتظار حبيب طالت غيبته وحانت أوبته ، و الأحاديث المتبادلة والتوقعات من قبل الكل عن موعد دخول الشهر ومولد الهلال وتجمع المسلمين عند المساجد وفي الطرقات وعلى أسطح المنازل والمرتفعات لتحري ولادة الهلال بل والخروج لأطراف المدن لمشاهدة الهلال ، فإذا ثبت دخول الشهر حلت بالقلوب فرحة غامرة وازدانت القلوب والنفوس بأنوار إيمانية عظيمة لا يعلم مداها إلا الله. كان من أهم أسباب فرح الناس برمضان صور شتى من تراحم المسلمين بينهم البين بشكل يفوق بقية العام ، فمثلاً في الحين الذي تنغلق فيه بعض الأسر على ذاتها ، لم تكن موائد الإفطار فيما مضى توضع على الأرض في غالبية البيوت قبل أن تتفقد ربات البيوت أحوال الجيران والأقارب ، كان الجيران يتفقد في محبة و مودة بعضهم بعضاً مستشعرين الأخوة الإيمانية يتربى عليها الصغار و يمارسها الكبار في تلاحم إيماني عجيب يعود بنا إلى جيل الصحابة و التابعين وإن لم ندرك شأنهم فلا أقل من أن نتشبه بهم. كما كان من بين أسباب السعادة بالشهر الإنجاز والعمل الدؤوب و عدم قلب الليل نهاراً والنهار ليلاً بل إن المدارس مثلاً كانت تتابع التدريس إلى نهاية الشهر تقريباً ولا يتحول الشهر إلى مبررات للكسل وعدم إنجاز العمل واتخاذ الشهر المبارك ذريعة لسهر الليل ونوم النهار والنوم حتى عن فرائض الصلوات. صحيح أن الماضي لم يكن خيراً محضاً ، بل كان به من المشكلات ما يكفي أهل زمانه وزيادة لكنه مع ذلك كان أقرب من مجتمعاتنا المعاصرة للمجتمع المثالي السعيد بالمنهج الرباني المجتمع النبوي والراشدي من بعده : صفاء في التصور تعاون بين الناس على البر والتقوى تحفزها أخوة في الله صادقة ومحبة فيه خالصة ، و استشراف لعطاءات الله تعالى ونبل في التعامل ورقي في الأخلاق وإقبال على العبادة ، فهل يلام المرء إن هو أصابه الحنين لعبق الماضي و ذكريات الشهر الفضيل فعاش بروحه في ذلك الزمان و بجسده في زمن الفتن المتلاطمة على أمل أن يغير الناس ما بأنفسهم والعودة إلى التوازن بين العبادات في الإسلام والأخلاقيات التي قال عنها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ). للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :