المهاجرون يخوضون معركة بقاء في حوض المتوسط بقلم: طارق القيزاني

  • 8/12/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الهجرة غير الشرعية ستكون فرصة لليمين المتشدد في أوروبا ليلتقط أنفاسه مجددا بعد الهزائم الانتخابية التي تعرض لها.العرب طارق القيزاني [نُشر في 2017/08/12، العدد: 10720، ص(4)] ليس الاحتباس الحراري وحده ما يشغل دول حوض المتوسط في هذا الشهر الملتهب. فالحرائق المستعرة في الشمال والجنوب لم تشغل الحكومات عن تشديد حصارها أكثر فأكثر على حركة القوارب المتهالكة في البحر. مع هذا يقف العالم اليوم على حقيقة جديدة وهو أن التغير المناخي الحاد قد يكون في السنوات المقبلة العامل الأول لدفع الملايين إلى الهجرة هربا من قساوة المناخ وانعدام فرص الحياة والعمل في المناطق المنكوبة. حتى الآن يستمر المهاجرون المعدمون في المثابرة على النجاة بأنفسهم إلى مناطق أكثر أمنا، لكن مستقبلا ستكون أمامهم دوافع أكبر للمخاطرة بحياتهم. ولا تبدو الولايات المتحدة التي أخلّت بالتزاماتها في اتفاق باريس لحماية المناخ بمنأى عن هذه الموجة وإلا يفترض على البلد الجار في الشمال، كندا، فرض قيود أكثر صرامة على الأميركيين المتدفقين من أراضي الولايات المتحدة. لكن المعركة الكبرى تدور رحاها الآن في البحر المتوسط، وهي المعركة التي يفترض أن تحدد مستقبلا سلوك المجتمع الدولي في التعاطي مع الهجرات غير المنظمة في مناطق أخرى من كوكب الأرض. لطالما كانت هذه المنطقة البحرية الحيوية المحدد الأبرز لطبيعة العلاقات الدولية منذ بسطت روما نفوذها التجاري والعسكري في العصور القديمة على القوى التقليدية من الإغريق إلى القرطاجيين. وهاهي إيطاليا تجد نفسها ملزمة دائما بحكم الجغرافيا على الأخذ بزمام المبادرة لإعادة تعريف العلاقات بين الشمال والجنوب. لكن مطامح إيطاليا تتجاوز مجرد “التعاون الفني” والأخذ بيد مستعمرتها القديمة ليبيا في مكافحة الهجرة السرية، إذ لا يتوقف دور روما عمليا على لعب دور شرطي المتوسط فحسب ولكن الخطط يمكن أن تذهب حتى تأمين الحدود الجنوبية لليبيا بهدف رد المهاجرين المتسللين عبر الصحراء على أعقابهم إلى دول مثل النيجر وتشاد ومالي والسودان. الواضح أن الهدف الذي يستميت الأوربيون بكل الطرق من أجل إرسائه الآن هو إقامة مخيمات لاجئين في ليبيا في مرحلة أولى، لكن هذا الخيار يتغافل عمدا عن حقيقة أن الأوضاع هناك ليست مثالية لتوفير ملجأ آمن للمهاجرين يحميهم من انتهاكات حقوق الإنسان. وتبرز هنا معضلة ترتبط بحقيقة نوايا الأوروبيين على المدى المتوسط وتضع مصداقيتهم على المحك. فأيهما يحظى بأولوية في التحرك الأوروبي، هل هو تأمين حياة الناس التائهين في عرض البحر أم تأمين الحدود البحرية وحتى ما وراء البحار في سبيل سد الطرق أمام كل فرص الهجرة والنجاة؟ تكشف لنا أحد الفيديوهات المسربة حول مأساة الغرق الجماعية لنحو 270 من المهاجرين اللاجئين أغلبهم سوريون ومن بينهم أطفال ونساء في أكتوبر من العام 2013 عن وجه آخر لكيفية إدارة الأزمة في البحر من قبل خفر السواحل الأوروبي. يمكن الملاحظة عبر الفيديو بشكل لا يسمح للشك والتأويل حالة الإهمال واللامبالاة في إنقاذ أرواح المهاجرين الذين كانوا يوجّهون نداءات الاستغاثة على مدى ساعات إلى خفر السواحل المالطي والإيطالي على بعد أميال فقط من سواحل جزيرة لامبيدوزا، وكيف أن هؤلاء كانوا يتقاذفون بالمسؤولية، من دون أن تكون لهم استجابة للمستغيثين قبل أن يُتركوا لمواجهة مصيرهم المأساوي بدم بارد. واليوم يتزايد القلق لدى عدد من المنظمات الإنسانية ومن بينها “أطباء بلا حدود” و”يوغندريتيت” الألمانية بشأن مدونة السلوك التي اقترحتها روما على المنظمات غير الحكومية الناشطة في إنقاذ الغرقى والعالقين في عرض البحر. وسبب ذلك أن المدوّنة قد تنتهي بفرض حلول مفخخة من شأنها أن تحد من هامش تحرك قوارب المنظمات غير الحكومية كما تسمح للسلطات البحرية بالتلكؤ في دخول تلك القوارب إلى الموانئ الأوروبية في مهمات لإنقاذ المهاجرين، لا سيما وأنها نجحت في إدارة 25 بالمئة من عمليات الإنقاذ في 2015 و35 بالمئة العام الجاري بحسب إحصائيات رسمية. وفي الظاهر تركز خطط الدول الأوروبية على عزل ومحاصرة العصابات الناشطة في تهريب البشر غير أن هذا الهدف المعلن وبدل أن يذهب إلى مقاومة هذه العصابات في مهدها، فإنه يخيّر سلوك الطريق الأقصر، وهو اعتراض المهاجرين في البحر وإرغامهم على العودة إلى السواحل الجنوبية خائبين بعد أن كانوا قد خسروا أموالهم وتعرضوا لأنواع شتى من الانتهاكات على أيدي السماسرة والمهربين. والوضع مرشح لأن يكون أسوأ مستقبلا بالنسبة إلى للمهاجرين الذين يخوضون حرب بقاء في البحر، إذ ستبدأ إيطاليا بعد موافقة الحكومة وبالتنسيق مع حكومة الوفاق الليبية، باستخدام إحدى سفنها الحربية في المتوسط وعدد من القوارب السريعة لاعتراض قوارب الهجرة وإعادتها إلى السواحل الليبية. وفي الواقع لا تقدم هذه الخطط حلولا حقيقية لطالبي اللجوء والهاربين من الفقر سوى بإبعادهم عن السواحل الأوروبية وبدء إجراءات بيروقراطية طويلة ومعقدة معهم في بيئة غير آمنة، وهو أمر قد ينتهي في الأخير، كما تنبّه إلى ذلك منظمة “أوكسفام” الخيرية الدولية، بخلق حلقة مفرغة يحاول فيها اليائسون باستمرار الهروب والإفلات من الحواجز الأوروبية في البحر كما أنه من المرجح أن يدفعهم ذلك إلى البحث عن مسارات جديدة للهجرة. وفي الحقيقة فإن إيطاليا تبدو بين فكي رحى، فالحكومة اليسارية تواجه ضغوطا داخلية لتشديد سياساتها في استقبال المهاجرين على سواحلها ولكنها تواجه أيضا دعوات أكثر تطرفا من جيرانها الأوروبيين بوسط أوروبا وفي مقدمتهم النمسا والمجر، إذ تميل هذه الدول إلى قطع دابر الأزمة في البحر دون الحاجة إلى مناقشة موضوع تقاسم الأعباء وتوزيع حصص استقبال اللاجئين بين دول الاتحاد. بعيدا عن تلك النقاشات، فإن موضوع الهجرة في المتوسط مرشح لأن يكون خبزا يوميا للأحزاب اليمينية في أوروبا وحتى لدى المنظمات المتطرفة، وقد بدأت بالفعل منظمة “جيل الحرية” المناهضة للهجرة والمهاجرين حملتها “دافعوا عن أوروبا” هذا الصيف من فوق السفينة “سي ستار” في البحر المتوسط لتعقّب قوارب المهاجرين. ومن الواضح أن المتوسط سيكون ساحة مثالية لليمين المتشدد من أجل التقاط أنفاسه من بوابة الهجرة غير الشرعية بعد الانتكاسات المتتالية لانتخابات هذا العام في أوروبا، في انتظار ما ستسفر عنه انتخابات ألمانيا الخريف المقبل. كاتب من تونسطارق القيزاني

مشاركة :