وبدا لافتا أن الكثيرين يطلقون على أنفسهم اللقب العلمي بعد ساعة من التسجيل، على اعتبار أن إجازة اللقب باتت مضمونة ومسألة وقت.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/08/27، العدد: 10735، ص(24)] يتردى التعليم الجامعي العربي في العلوم الإنسانية لا سيما في المشرق. فقد تحوّل البحث الأكاديمي إلى فهلوة يتواطأ فيها الطالب مع أستاذه المشرف. وكان التردي قد نشأ أصلا بسبب عوامل عدة من بينها ضعف مستوى الأساتذة الجامعيين في معظمهم، وهذا ضعف تراكم منذ نحو أربعين سنة، كأحد انعكاسات عصر الأوهام وما يسمّى الانفتاح و“اللبرلة” التي يتولى أمرها جاهلون بمعناها. ففي حقل ما يسمّى “الدراسات العليا” انفتحت الأبواب على مصاريعها لأطروحات سطحية أعدت في مناخات غير أكاديمية. وزادت الأمر تردّيا محركات البحث في الشبكة العنكبوتية الناشئة، فسهّلت الانتحال. وكانت الجامعات الرصينة قد أودعت تدابيرها الحمائية، قبل أن تصبح هذه الشبكة في متناول الدارسين، فأعدت برامج كمبيوتر معقدة وخاصة، تضع البحث الذي يتقدم به الطالب في المختبر الرقمي الذي يتعرّف من خلاله المُشرف على كل مواضع الانتحال ومشروعية الاقتباس وأصوله البحثية، وعلى علاقة الطالب بنشأة الفكرة وغير ذلك من وسائل القياس. وبهذه الوسيلة، وقبل السماح للطالب بالمناقشة، يُقاس مدى إسهامه في المعرفة المتعلقة بموضوع البحث. في مصر، كان الراحل وعالم الاجتماع د. رؤوف عباس، قلقا للغاية من ظاهرة تردي التعليم وتفاقمه، وقد جعل هذه القضية شغله الشاغل، حتى الرمق الأخير من حياته في العام 2008. كان الرجل قد أسهم في تكوين باحثين وأساتذة في التاريخ الاجتماعي، في مراكز علمية وجامعات كبرى على اتساع العالم من طوكيو إلى واشنطن. وظل يحلم بارتقاء مستوى التعليم في بلادنا العربية، التي هي أحوج ما تكون إلى مختصين يدرسون الظواهر المعيقة للتنمية والتطور والسلم الأهلي والإنتاج. وسمعناه يستذكر بكل التأسي المستوى الرفيع الذي كان عليه البحث في العلوم الاجتماعية قبل نصف القرن، ويُقلقه المستوى الهابط. وبدا لافتا أن الكثيرين يطلقون على أنفسهم اللقب العلمي بعد ساعة من التسجيل، على اعتبار أن إجازة اللقب باتت مضمونة ومسألة وقت. لكن طالب الدكتوراه في الجامعات الأجنبية المرموقة يصطدم بمتطلبات عمل شاق، وآليات مُحكمة للقبول بمقترح البحث وبمحطات عسيرة، تتابع على امتداد الفصول. وكان ذلك معمولا به في الجامعات العربية القليلة قبل نحو قرن وكان سائدا منذ الربع الأول من القرن العشرين. أما اليوم، فقد أصبحت الجامعات الفاقدة للقدرة على تعيين الشروط الأكاديمية للبحوث مقصدا لمجاميع غفيرة من الطلاب العرب، علما وأن بعض هؤلاء من الطامحين ومن ذوي المستوى الجيد، يُلزمون أنفسهم بأنفسهم بآليات البحث المعمق فيُبهرون أساتذتهم! عدلي صادق
مشاركة :