قادة حماس إذ يتجمعون في القاهرة بقلم: عدلي صادق

  • 9/13/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح قادة حماس، الذين تجمعوا في القاهرة، أمام أحد خيارين: إما التمسك بمركب الإخوان الذي يتوغل في الضباب وإلى لا مرفأ، وإما الأخذ بناصية المنطق، واشتقاق كل إحداثيات خياراتهم من واقع شعبهم. العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/09/13، العدد: 10750، ص(9)] بحكم استحالة أن يبقى وضع قطاع غزة على حال البؤس الذي هو فيه، وقد بات انفجاره متوقعا في أي لحظة؛ لم يكن أمام حماس، طائعة الإخوان، إلا أحد أمرين: إما أن تعتمد تفاهمات قيادة غزة مع القاهرة ومع وطنيي فتح وإصلاحييها، وتوسيع هذه التفاهمات وجعل بنودها إستراتيجية عمل، في اتجاه انفراجة تامة، تُعيد لسكان قطاع غزة حقوقهم الأساسية. وإما أن تظل ورقة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، طوع بنان “الجماعة” ومادة دعايتها التي من شقيْن نقيضين، أحدهما مظلومية المقاومة والأهالي، التي تزعم أن طرفا في الإقليم دون سواه هو الذي أوقعها في غزة، والثاني الفخر بالمقاومة التي لا تتثاءب افتراضا، والتي يراد لها أن تظل معطوفة على الإخوان وفي موضع اعتزازهم في غيابها أكثر من حضورها. بات معلوما لكل الفلسطينيين ولكل المتعاطفين مع قضيتهم، أن لا مقاومة الآن من غزة، وإنما هناك قوة دفاعية متواضعة لن تعيق العدو من إلحاق التدمير بالمنطقة ومفاقمة بؤس الناس، وتعميق الكارثة. عندما تفرض الحقائق منطقها، ويتبدى جليا أن بؤس غزة قد صُنع من بؤس كل الأطراف الفلسطينية، ومعه بؤس الإقليم، واستنكاف حلفاء الأطراف الفلسطينية عن إغاثة الشعب الفلسطيني خاصة، وسكان غزة بشكل خاص. هنا يلح السؤال: إلى متى هذه الحال وقد وصل الناس إلى حافة الانفجار، ولم يعد الفلسطينيون قادرين على الاحتمال، ولا جزءهم في قطاع غزة بات يرى في وصل التيار الكهربائي ست ساعات في اليوم بشارة انفراج لحال مختنقة على كل صعيد. في الاختلاف بين قادة حماس، أو بالأحرى بين المجموعة التي تنضبط لتوجهات إخوان الإقليم المنخرطة في صراع قائم (معظمها في الخارج ومستريحة) ومجموعة قيادة الحركة في قطاع غزة، كانت لكل طرف وجهة نظر، يشعر بصعوبة تسويقها. بدت مصاعب التسويق، بالنسبة للمجموعة الأولى، أكثر تعقيدا في نظر منتسبي الحركة والجماعة، إذ لا تحتمل غزة الاستمرار في توظيف عذابها لصالح أناس مستريحين، لا يملك حليفهم التركي ولا حليفهم القطري القدرة على حل مشكلة واحدة، من منظومة الاختناقات المعيشية التي يعانيها الفلسطينيون في قطاع غزة، ولا تفكيك قيد واحد، يخفف المعاناة السياسية والاجتماعية والأمنية التي يحيا في ظلها الفلسطينيون في الضفة. فعندما يصل الفلسطينيون إلى حال الانسداد في التسوية وفي المقاومة، تنحصر أمنياتهم المرحلية بعد فشل التسوية، في التوصل أولا إلى منجز كياني سياسي، ذي بُنية رصينة، يساعدهم على النهوض الاجتماعي وعلى الحراك الشعبي، إذ يستطيعون اختيار قادتهم والاطمئنان إلى قدرة قادتهم على تحويل تضحياتهم إلى أوراق سياسية رابحة. كذلك الحال في غزة، إذ يتعين على حماس أن تتواضع، وألا يكون العدم واستمرار شقاء الناس، هما سمة الواقع بعد الانسداد الراهن لأفق المقاومة. فالمهمة اليوم ذات صلة بما يمكن إدراجه في خانة الجهاد الحقيقي، المتمثل في رفع المعاناة عن الناس، والإسهام في تمكين الفلسطينيين من استعادة إرادتهم وحقوقهم، بمعنى تمكينهم من الاختيار والتفويض، وإطلاق عملية إعادة الاعتبار للحياة ومتطلباتها، وكذلك الإسهام في وقف عملية إلحاق الأذى بمصائر الأسر وأرزاق العوائل. منذ أن جرى اختيار إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس في انتخابات داخلية؛ كان طبيعيا أن تغلب عند الرجل، حقائق الجغرافيا وكل تفصيلات حياة الناس، مهما كان ميله للخط الحزبي الإخواني الإقليمي وأجندته. لذا فإن أهم ما يُفترض أن تتناجى به قيادات حماس التي تجمعت في القاهرة، هو أن السياسة في منطقتنا، لم تعد ترفا، وليس بمقدور حركة من شعب مستضعف، أن تكون حليفا لنقيضين، على الصعيد العربي أو الصعيد الإقليمي، ولا أن تضبط حركتها السياسية مع القاهرة وفي الوقت نفسه، مع متحمسين للطرف الذي يقاتل الدولة في مصر أو يعارضها. ثم إن حسابات الداخل الفلسطيني، والمزاج السياسي فيه، لن يسمحا لطرفين ألحقا الأذى بشعبهما بالتوافق على الاستمرار في تغييب إرادة المجتمع وتخليق صيغة لتقاسم السلطة بموجب تفاهمات على تدابير مشتركة للهيمنة. فلا يمكن لتفاهمات، بين حماس وعباس في الضفة، بدعم جماعة الإخوان في الإقليم؛ أن تنافس لدى الرأي العام وبمعايير المنطق السليم، تفاهمات بين قيادة حماس في غزة ووطنيي فتح وتيارها الإصلاحي والنهضوي، عندما يكون هدف هذه التفاهمات، إعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني، واسترجاع مؤسساته والتمكين للإرادة الشعبية وإنقاذ غزة من الكارثة، مع الاستفادة من العوامل الجغرافية والجوار المصري. أصبح قادة حماس الذين تجمعوا في القاهرة أمام أحد خيارين: إما التمسك بمركب “الإخوان” الذي يتوغل في الضباب وإلى لا مرفأ، وإما الأخذ بناصية المنطق واشتقاق كل إحداثيات خياراتهم من واقع شعبهم. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :