في تقدير الكاتب يأخذ بما يجده في المنهج وما يترتب عليه، لا أن يأخذ باعتقاده الشخصي، ولا يستسلم إلى سلطة الغير، وليس قبل الحكم المسبق الذي يفترس النتائج. فإذا قلنا لم يعد بوسعنا أن نربط الأشياء بمنهج خالص للذات إزاء ذاتها، دون وسيلة ناجعة فليس بمقدورنا أن نفكر في أعماقنا الغامضة إذا لم يتوفر متسع من الوقت، فسيكون المشهد الأمامي لا يقدر على الاستقلالية في النظر. وثمة ضرب من المفارقة بين الحصول على ثقافة العطلات، وبين الدوافع العشوائية التي تؤهل إلى غايات هذه العطلات، فمجالات الحياة اليومية تخفي رؤية معالمها وتستهلك بوجه عام الجهد والوقت، وتعرض كما من الأهداف والرفاهية في آن واحد، ليتسنى رؤية الأشياء من خلال تصوراتها المنظمة، وكشف الطابع السطحي والعشوائي المعتمد على أسلوب بياني، يحدد متى يستطيع الفرد أن يستثني من حياته أياما للراحة والاستجمام، ووقتاً مستقطعاً من عمر الحياة العملية والدراسية، فتكون ترجمانا للروح عندما تحتاج إلى راحة من الفروض والواجبات اليومية. للعطلة إذن جانب إيجابي يتعين ضبطه ومراقبة أجوائه ودوره الاجتماعي والعملي، ومفهوم الإعداد الجيد له، ينظم البحث فيه بشكل فردي، لأن لدى الإنسان قدرات واستعداد للتغيير وأداة تحرر الوقت من القيود وتستحث الروح على العطاء، وأيضا تساعد على بناء قيمة إنتاجية كبيرة، فالتبادل بين الشركات والمؤسسات وبين العاملين بها لا بد أن يسير وفق تبادلات مادية ورمزية تجعل من هذا التبادل فاعلية تفاهم وتواصل اجتماعي، فإن النظريات المفسرة للعمل تستدعي أخذ قسط من الراحة، فالقدرة على فهم الطبيعة البشرية علاقة تفاعلية تبادلية، لكي أقدم عملا متقنا أحصل على حقوق كاملة مادية واجتماعية. فعندما منحت الشركات عطلة يومين لموظفيها ارتفعت قيمة الإنتاج، ورصدت مظاهر الإيجابية، وارتفع أيضاً مؤشر الوعي، بينما ينتقد الكثير ثقافة التحول، في قضاء العطلات والاستعداد لها، وضرورة تأسيس برامج ترصد واقعاً جديداً ومشهداً مختلفاً يعكس حجم التغيير في اتجاه أفقي يتوزع بدوره على عدد الأيام أو الأسابيع، ففي كل الأمكنة تفاوت في الاختلاف، وآلية تظم عدة مسارات تختار الذات من خلالها، فالتخطيط المسبق ومناصريه يبيّن أن البشرية ما تزال خاضعة لتوجهات الحضارة، وتصحيح ما أخطأت به في السابق، وأن الوعي نتاج حاضر للتطور يستولي على العضوية في كل الجوانب وهو ما يزال هدف وعلامة يتداولها الجميع، ولولا قوة التأثير لكانت البشرية قد تساوت في كل شيء منذ زمان على اعتبار التلقائية صفة ملازمة، وحصيلة طبيعية تصدر عن الفرد. فالقضية التي يثيرها النص لا علاقة لها بلحظات الوعي أو شرعنة الخطاب من حيث وجود الإنسان العملي في العالم، أو الاعتماد على المقارنة والأمثلة، وإنما على عملية تندرج بين الربط والفصل والتفاعل بين الناس والرغبة في العمل والتأثير على الإرادة، فالإنسان كائن راغب، إذا حقق الكيفية المطلوبة وجد تفسيرا للأضواء في غمرة النهار. وبالتالي يخطط لما يريد تدبيره في قضاء إجازاته وتدوين النقاط المهمة في سجل ملاحظاته عوضاً عن تكدس القرارات تحت غطاء الظروف، (فالناس هم الذين يعدلون ويطورون أفكارهم خلال عملية الإنتاج المادي التي يقومون بها وخلال العلاقات المادية التي تنشأ بينهم، فليس الوعي هو الذي يحدد الحياة الاجتماعية، بل إن الحياة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي) حسب ما جاء به كارل ماركس، وقد منح الإنسان قيمة معنوية قبل الصيغة التي تعبر عنه كذات مادية تعي وتفكر في الواقعية العملية وما يلزمه منها.
مشاركة :