طلال عوكل يكتب: العرب بين زمنين

  • 9/10/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

التفاؤل والتشاؤم قد يكون مرجعهما إلى عوامل ذاتيه أو موضوعية أو الاثنين معا. هذا حين يتعلق الأمر بإنسان عادي، لا يملك مواصفات الانتساب للنخبة الفكرية أو السياسية. أو الاقتصادية أو الاجتماعية. حين يتعلق الأمر بالنخبة فإن الأمر يختلف أو تختلط العوامل الموضوعية بعناصر التكوين الذاتي من حيث العمر، مستوى المعرفة، الشعور بالمسؤولية العامة، وخصائص الإنسان ذاته وقدرته على التكيف، وتجاوز الطبائع الشخصية. يبدو الاختلاف واسعا ونوعيا بين الفئتين من الناس، على نحو أشد وخصوصا حين يتصل بالأحداث والتطورات الضخمة، التي تهز أركان المجتمع والنظام من أساسه، بدون أن تتضح مآلاته. من الطبيعي أن تسود حالة من التوهان لدى الأغلبية، لكن هذه الحالة تتحول إلى مأساة، وربما تصل إلى حد الكارثة، حين يغيب دور أهل الفلسفة والعلم والفكر. هذا هو حال الأمة العربية التي تمر منذ سبعة أعوام بتسونامي حقيقي. لم تنته فصوله وارتداداته بعد، ومن غير المحتمل أن يهدأ خلال سنوات قليلة قادمة. ثمة شعور عام سائد في طول المنطقة العربية وعرضها، يسيطر عليه إحباط ممزوج بألم عميق، وخوف من الحاضر والمستقبل، وتوهان إزاء بوصلة الأحداث. يجتاح هذا الشعور عامة الناس، ولكن المأساة حين يشمل ذلك النخب، التي يغيب دورها في إنارة الطريق، والتخفيف من وطأة الأحداث، خصوصا وأنها تنطوي على تضحيات هائلة ودمار عظيم. في المشهد العام، ثمة ملاحظة هامة، وهي غياب أو ضعف وتراجع دور القوى القومية والاشتراكية والليبرالية في التفاعل مع الأحداث والتطورات الجارية. في تقييم مآلات الأحداث لابد من الاعتراف بداية، بأن المنطقة العربية تمر في مرحلة تاريخية من التطور، ويطول أمدها. مرحلة تقع بين مرحلتين، مرحلة التخلف، المعبر عنها بأنظمة اجتماعية أقرب إلى مرحلة الإقطاع مع تعديلات طفيفة تفرضها طبيعة العصر، ومرحلة التطور والحداثة التي تعبر عنها أنظمة الديمقراطية الليبرالية، والرأسمالية التي دخلت بقوة مرحلة العولمة. ما يقرب من خمسمائة عام وأكثر هي مرحلة الاستعمار العثماني للبلاد العربية، هي المسافة التي تفصل بين مستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي في الدول العربية عموما وبين الدول الرأسمالية. ثمة مجتمعات تقدمت نحو الحداثة والتطور، فحصلت على مكانة بين الحالتين العربية والغربية مثل تركيا، البرازيل، الأرجنتين، كوريا الجنوبية،… لكن العرب رغم ما يملكون من ثروات، فقد ظلوا عند اقدام مجتمعات الحداثة والتطور. لا مجال للبكاء على أطلال الماضي، فالماضي لم يكن فقط بسبب الهيمنة الأمريكية أو الغربية، التي تسعى دائما لتأبيد حالة ومظاهر التخلف من أجل تحقيق مصالحها، ونهب ثروات العرب. لابد أن النخب السياسية العربية المتحكمة في مصائر مجتمعاتها، تتحمل قدرا هاما من المسؤولية حيث وجدت مصلحتها في الاحتفاظ بأنظمة سياسية تقوم على الاستبداد والفساد، وقمع الاتجاهات التنويرية، والمعارضة التي اكتسبت مع مرور الوقت بعض سمات الأنظمة السياسية. لهذا السبب كانت البدائل الواقعية أو المأمولة، جزءًا من الأزمة، وليست جزءًا من الحل. على أن المستقبل ليس مرهونا بما ينطوي على السطح سواء فيما يتعلق بالنظام والنخب أو فيما يتعلق بالمعارضة، ذلك أن آليات وديناميات الأحداث من المرجح أن توفر فرصة موضوعية لنشوء وتبلور تيارات وحركات سياسية مختلفة عن كل ما هو قائم. لقد انغمس كل ما هو قائم من تيارات وحراكات في الصراعات الدامية التي تضرب المنطقة، ولذلك لا ينبغي أن يستقر تفكيرنا في المستقبل بالنظر بين الأقدام، فثمة مدى زمني طويل نسبيا، كاف لتوقع الأفضل. علينا ونحن نحاكم التطورات القائمة أن نعود إلى التاريخ، فلقد مرت المجتمعات الأوروبية، بهذه المرحلة، ودفعت شعوبها أثمانا باهظة أين منها ما يدفعه العرب، حتى انتقلت تلك المجتمعات إلى مرحلة التطور الرأسمالي. لم تنته بعد مفاعيل وارتدادات التسونامي، ولكن على العرب أن يستفيدوا وبسرعة من تجربتهم الخاصة، وأن لا يتحولوا إلى معاول هدم لبعضهم البعض. ولعل قتال العرب لبعضهم البعض في هذه المرحلة، كما حصل ويحصل مع سوريا والعراق واليمن وليبيا، هو تكرار في الجوهر للسلوك ذاته حين قام العراق بغزو الكويت. تحرر الكويت، ولكن العلاقات العربية تراجعت وسادها الخوف من الآخر العربي، مما أدى إلى ضعف دور الجامعة العربية، وبهتان دور القمم العربية السنوية، ودخول العرب في معارك دونكيشوتيه بين بعضهم البعض، أوصلت أو ساهمت في وصول الأوضاع إلى ما هي عليه. لقد حان الوقت لأن تبادر النخب الفكرية والثقافية والسياسية المؤمنة بالحداثة، و تقتحم المشهد لتبدأ في التأسيس لحراك مختلف عن كل ما هو قائم ويدعو لليأس والإحباط وفقدان الأمل.أخبار ذات صلةطلال عوكل يكتب: الحقيقة عاريةطلال عوكل يكتب: لا أمل مع خداع إبليسطلال عوكل يكتب: جريمة غير مسبوقة تستوجب إجراءات غير مسبوقةطلال عوكل يكتب: محاولات تقويض حق العودة والإطاحة بواجب الصمود

مشاركة :