من متابعتي للعديد من الحوارات التي تُجرى مع الشعراء ألاحظ بوضوح أن الذين يحرصون على طرح أحكام دقيقة وموضوعية في الشعر وما يتعلق به يمثلون –بكل أسف- النسبة الأقل من مجمل الشعراء، وأن معظم الآراء والأحكام التي يطرحونها أو تصدر عنهم تتأثر بشكل كبير بعواطفهم لحظة إصدار تلك الأحكام، وتتحكم في توجيهها أيضاً عوامل لا موضوعية كالمصالح الشخصية ومدى القُرب أو البُعد من الأشخاص والجهات التي تمسها الأحكام التي تصدر عنهم. فمن غير المستغرب في ساحة الشعر الشعبي أن تستمع لشاعر ينتقد مستوى القنوات الشعرية وهو لا يُشاهدها ولا يعرف جديد برامجها، أو أن تقرأ لأحدهم كلاماً يتحدث فيه عن أفضلية الشعراء القدماء وتفوقهم على شعراء الجيل الجديد وهو بعيد جداً عن تجارب الشعراء الشباب ونسبة معرفته بها ضئيلة جداً ويستحيل أن تمنحه القدرة على تقييمها بشكل قريب من الصحة فضلاً عن إمكانية تقييمها بدقة. كذلك تستطيع تمييز تأثر آراء وأحكام الشعراء بمصالحهم الشخصية بوضوح تام بالنظر للتفاوت الكبير في أحكامهم على المسابقات والفعاليات الشعرية التي تُقام، فالشعراء الذين يُدعون للمشاركة في أمسيات الملتقيات الشعرية هم في الغالب من يُشيدون بمستوى التنظيم فيها ويتحدثون عنها بإعجاب، وفي المقابل فإنها في غاية السوء والقائمون عليها لا يفقهون في الشعر شيئاً في نظر أولئك الذين لم توجه لهم الدعوات للحضور أو المشاركة فيها..! فيما يتعلق بالمسابقات الشعرية أيضاً هي ناجحة وخادمة للشعراء في نظر من شاركوا في التنافس على المراكز المتقدمة فيها أو من كسبوا في سوقها، في حين أنها فاشلة ولا تخدم سوى جيوب القائمين عليها في نظر من تم استبعادهم من المنافسة على ألقابها وجوائزها. وبين أولئك وهؤلاء نجد قِلة من الشعراء هم الذين تأتي أحكامهم منصفة ودقيقة وغير خاضعة للعاطفة أو لمسألة المصالح الشخصية. ويمكننا القول أيضاً أن إحدى مشكلاتنا الأزلية هي أن درجة حرصنا على إبداء آرائنا في جميع الأشياء تفوق بأضعاف كثيرة درجة الحرص على النظر للأشياء بتجرد ومن جميع النواحي ليتاح لنا تصورها بشكل أفضل والحكم عليها بشكل أدق. أخيراً يقول عبدالعزيز بن نايف: باقي لعيني نظرةٍ ما استحتها أنا بشر حسّاس صعب يتحمّل ملامحك مفروض يكتب تحتها: "حاجة جميلة تستحق التأمل"!
مشاركة :