الرقة (سوريا) (أ ف ب) - داخل سيارة من طراز هامفي تسير مسرعة أثناء خروجها من مدينة الرقة السورية، يصرخ احد المقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية مخاطباً رفيقه الجريح "لا تغمض عينيك. ابق مستيقظاً". ومع اقتراب المعارك من وسط المدينة، باتت الطريق الى اقرب مرفق طبي طويلة جدا، وأمسى ابقاء الجرحى من مقاتلين ومدنيين على قيد الحياة حتى الوصول الى الوجهة المطلوبة، مهمة تزداد صعوية. على طول الطريق المتعرجة بين ابنية مدمرة، يحاول سائق الالية رغم سرعته الالتفاف حول اكوام الركام المنتشرة في كل مكان، فيما ينزف المقاتل بشدة متأثراً بطلقات نارية اصابته في أضلعه. ووضع رفيقه يديه على رأسه محاولا ان يبقيه مستيقظا بانتظار الوصول الى نقطة اسعاف اولية آمنة في حي المشلب، تقع على بعد عشرين دقيقة. ولدى وصولهم، يهرع مسعفون لوقف النزيف وتضميد الجرح، قبل ان ينقلوا الجريح بسرعة الى سيارة اسعاف تتابع طريقها شمالاً. ويتطلب الوصول الى اقرب مستشفى مجهز في مدينة تل ابيض على الحدود التركية، ساعتين على الاقل، تشق خلالها سيارة الاسعاف طريقها في منطقة مقفرة. ويقول الممرض لدى الهلال الاحمر الكردي فرهاد دللي لوكالة فرانس برس ان بقاء المقاتل على قيد الحياة يرتبط بالاسعافات الاولية التي يتلقاها خلال ما يسميه المسعفون بـ"الساعة الذهبية". ويضيف اثناء وجوده في نقطة اسعاف في حاوي الهوى، على الاطراف الغربية لمدينة الرقة، "على الممرض أو المسعف أن يوقف نزيف الجريح المصاب بطلق ناري او جراء ألغام". وقتل مئات المدنيين كما اصيب اخرون بجروح جراء المعارك التي تشهدها مدينة الرقة منذ شنت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية، هجوماً ضد تنظيم الدولة الاسلامية في حزيران/يونيو. ويوشك التنظيم على خسارة كامل المدينة التي كانت تعد معقله في سوريا منذ العام 2014. وعمل الهلال الاحمر الكردي على اقامة نقاط اسعاف أولية عدة على اطراف المدينة تقدم خدماتها لما بين ثمانين الى مئة جريح يومياً، بحسب دللي. ويوضح انه يتم ارسال بين 10 الى 12 جريحا يومياً الى مستشفيات خارج الرقة. - طريق طويلة ومقفرة - ويزداد ايصال الجرحى وهم احياء الى المستشفيات المتخصصة صعوبة. ففي المراحل الاولى من الهجوم في حزيران/يونيو، كانت الطريق من خطوط الجبهات الى مستشفى تل ابيض تتطلب تسعين دقيقة. ومع وصول المعارك تدريجياً الى وسط المدينة وازدياد عدد نقاط التفتيش على طول الطريق التي لا تخضع لأي نوع من الصيانة، باتت الرحلة تتطلب وقتاً مضاعفاً. وتقول فانيسا كرامون وهي منسقة طبية في منظمة اطباء بلا حدود التي تقدم دعماً لمستشفى تل ابيض "هذا الوقت الطويل الذي تتطلبه الطريق يعني ان الجرحى غالباً ما يصلون وهم في حالة حرجة. ويتطلب ذلك منا وقتاً اضافياً لاعدادهم" قبل الدخول الى غرفة العمليات "اذا تمكنوا من ذلك". وتعتبر انه "لو كان من الآمن وجود مستشفى يمكن اجراء الجراحة فيه قرب خطوط الجبهة، لشكل ذلك فرصة لعلاج هؤلاء الاشخاص ومنحهم فرصة أفضل للنجاة في حالات مماثلة". ويشكل عدم توفر خدمة الهواتف الخلوية عائقاً اضافياً للتواصل بين الطواقم الطبية التي تتوالى على معاينة الجريح. ويوضح دللي انه لتخطي هذه المشكلة "نسجل كل شيء على بطاقة ونرسل صورة للمريض الى المشفى في تل أبيض قبل وصوله، لنشرح حالته". ويتابع "بذلك يكونون مستعدين لاستقبال هذا المريض". وبحسب كرامون، فإن هذه الرسائل هامة للغاية. وتقول اثناء وجودها خارج غرفة الطوارئ، حيث تفحص ممرضة طفلاً قدمه مضمدة "كل دقيقة تحتسب في حالات الرعاية الطارئة". وتشرح "نتمكن من تبادل صور الجرحى لتقديم بعض النصائح وتحضير انفسنا حتى نعرف عدد المرضى القادمين وكيف سنستجيب ومن يذهب الى غرفة الجراحة أولاً". - خشية من تدفق اضافي- ويشكل جرحى الحرب في مدينة الرقة غالبية المرضى في مستشفى تل ابيض. وتضيق قاعة الانتظار خارج غرفة الطوارئ بالاطباء والمرضى واقربائهم الذين يتحركون وسط حالة من الفوضى فيما يتردد صوت صراخ الاطفال في الممرات. وداخل جناح للرعاية الطارئة، يمكن قراءة ارقام ومعلومات مدونة بقلم احمر بخط اليد على الاسرة الموجودة، حيث يستلقي اربعة رجال في منتصف العمر يتلقون العلاج جراء اصابات في أذرعهم وأرجلهم. وفي غرفة اخرى مبردة، تتلوى فتاة صغيرة من الالم فيما حروق بالغة تغطي وجهها. وعلى رغم تركز المعارك في اخر جيب يتحصن فيه مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية في وسط الرقة، فان الطواقم الطبية تستعد لتدفق اعداد اضافية من المصابين، في ظل الخشية من استخدام التنظيم للمدنيين كدروع بشرية. وتقول كرامون "طريقة تطور النزاع في هذه المرحلة، (توحي) ان هناك المزيد من المدنيين تحت الخطر". وتتابع "نريد ان نكون مستعدين للاستجابة" لهذه الحالات. ورغم الجهود التي بذلتها الطواقم الطبية لانقاذ حياة المقاتل المصاب بطلقات نارية في اضلعه، فانه لم ينج. وقال صديقه في اليوم التالي لفرانس برس ان محاولة انقاذه ذهبت سدى.مايا جبيلي © 2017 AFP
مشاركة :