الوطنية كلمة تعني الشعور بالانتماء والحب والولاء للوطن بتاريخه، وثقافته، ولغته، وتراثه، ومواطنيه، وما يستلزمه ذلك من مواقف وأخلاقيات وسلوكيات تؤكد ذلك الانتماء، وقد تتعدد التعريفات والمستويات ولكن يبقى السؤال، ما هو مفهوم الوطنية عند الشخص، وماحدودها، وكيف اختار أن يعبر عنها؟ هل الوطنية حب الإنسان لوطنه بشكل فطري لمجرد أنه ولد ونشأ فيه وانتسب إليه سواء كانت هناك أسباب منطقية وأخلاقية لهذا الشعور أم لا؟ أم هو شعور يكتسب وينمو مع الفرد؟ أم هو انتماء لمبدأ ومعانٍ تمس قضايا ومشكلات الإنسان في كل مكان؟ الشعور الوطني إحساس جميل يعيشه الفرد حين ينظر إلى أنه جزء من هذ الكيان الكبير، وهو قوة توحد الناس وتجعلهم يعملون يداً بيد، ولذلك مردود إيجابي على الوطن، ومع إيجابية الشعور الوطني إلا إنه قد يتحول إلى العكس إذا اقترن بفكرة إقصاء لجماعة دون أخرى، أو اتخذ صورة الاعتداد الأعمى بالنفس والاعتقاد بالتميز عن الغير، وترديد الشعارات الفارغة من أي مضمون، وبهذا السياق أجد أن العبارة المكررة" ارفع رأسك أنت سعودي "عبارة لا مبرر لها للشعور بالزهو والتميز، فأنا لم أسمع أو أقرأ في حياتي من يقول مثلا ارفع رأسك أنت هولندي أو ألماني أو ياباني!! رفع الرأس يكون بالعلم، بالأخلاق، بالشمائل، بالجهود والإنجازات والعمل من أجل الوطن والمساهمة في التنمية المعرفية والفكرية، وليس بمجرد الانتساب إلى بلد ما. يقول جبران خليل جبران: "محبة الوطن عاطفة وضعية في الإنسان فإذا عانقت الحكمة هذه العاطفة تنقلب فضيلة علوية ولكنها إذا خاصرت الادعاء والبهورة تتحول إلى رذيلة قبيحة" الوطنية مسؤولية تتطلب التزامات، وتجردا من الأنانية، وانخراطا في العمل المجتمعي، وتطبيقا للأنظمة حتى وإن لم يوافق عليها، والتقيد بتلك الأنظمة لا يمنع من أحقية كل مواطن بإبداء الاعتراضات والمقترحات، وهنا ألفت النظر إلى فكرة مهمة وهي أن الاختلاف في الرأي أوعدم الموافقة على مايجري في الوطن لا يتعارض مع الوطنية واحترام الوطن، بل بالعكس، التطلع إلى التغيير والإصلاح بعيدا عن المصالح الشخصية أسمى درجات الوطنية، والتغاضي عن الخطأ أو تبريره لم يكن في يوم من الأيام من الوطنية. وإذاكان التطرف في المشاعر الوطنية يحولها إلى إقصاء وعنصرية وكراهية للآخرين وإلى أفعال غير عقلانية تضر بمصلحة الوطن، فإن ضعف الحس الوطني أيضا أدى إلى ظهور العلل في كل ثنايا الوطن، الفساد والرشوة، خرق القوانين، بطء تأدية الخدمات، الإهمال والأخطاء، المحاباة في الوظائف.. وغيرها، ومن تلك العلل المزمنة علة إقصاء الوطنيين المخلصين من المثقفين والكتاب والإعلاميين عن كثير من المواسم والمناسبات الثقافية وغيرها لأغراض ليست خافية، مقابل تقريب شخصيات من خارج الوطن بلا مبرر، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد سبق أن عتبت على القنوات الفضائية التي تعمل بأموال سعودية لاعتمادها على بعض الإعلاميين المضللين الفاقدي المهنية، الذين يعملون في الاتجاه المعاكس لمصلحة الوطن، في الوقت الذي يتوفر من هم أكثر ثقافة ومهنية منهم في بلدنا! يبقى من المهم التأكيد على أن الوطنية تتعزز كلما أحس المواطن أنه محمي، وأن بلده تحترم إرادته وحقوقه.
مشاركة :