لم أصدق عندما حكى لي عبر الهاتف عن صدمته في أقرب الناس إليه، فلم أكن أعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث له هو شخصياً، فقد عرفته مُحباً لعائلته لا يحمل شيئاً في الدنيا أهم من سلامتهم واستقرارهم وتوفير الحياة الكريمة لهم في حياته .. وبعد رحيله عن الدنيا. كان في صوته شجن حين أخذ يفضفض لي عن مدى ما يشعر به من ألم. قال لي بصوت أقرب الى النشيج: لا تتصور مدى الألم الذي يمكن أن يشعر به الإنسان عندما تتحطم أمامه صورة من يحبهم ويعزهم ويحمل لهم في قلبه مكاناً ومكانة خاصة يستحيل أن يتخيل أن يستحقها غيرهم. واستطرد قائلاً: لقد واجهت الكثير من الصدمات من أناس هنا وهناك في الحياة .. لكن صعب أن تجئ السهام من حيث لا تتوقع. تشعر حينها وكأنك قد خضعت لسكين جزار مُحترف يغرسه بين ضلوعك ويشق به صدرك ليبقي قلبك مكشوفاً ضعيفاً يمكن لأي نسمة هواء أن تجرحه، فينزف حتى الموت!! فالمؤلم أن يكون الجزار الذي يُمسك بالسكين هو إنسان تُحبه .. فلا يسعك إلا أن تستسلم ولا تقاوم أو تنتزع السكين من يده .. فكيف ترد يداً كنت تتوقع أن تدفع عنك الأذى، وتحنو عليك وتمسح عن جبينك خطوط السنين التي أخذت تحفر أظفارها هنا وهناك دون رحمة أو شفقة. إنك لو أتتك الطعنة من عدو فلن تستغرب، وقد ترد الطعنة بطعنة .. لكن إذا ما جاءت الطعنة من حبيب فقد لا تمنعها، لا عجزاً ولكن خشية من أن يؤلمه دفعك يده أو خوفاً من ارتداد الطعنة إليه!! *** وددت لو أنني أستطيع أن أصل إليه عبر الأثير كي أضع رأسه على كتفي، وأضمه إلى صدري كي أهون عليه هول الصدمة ومرارة الإحساس. قلت له وأنا أحاول أن أواسيه: لا تحزن كثيراً يا صديقي فالقرآن الكريم يحفل بكثير من العبر في هذا المقام: * لقد كان أول قتيل في الأرض هو هابيل على يد أخيه قابيل حسداً وغيرة منه بسبب قبول الله تعالى صدقة هابيل، ورفض قبول صدقة قابيل لسوء نيته، وعدم تقواه. * وكان إخوة يوسف هم من دبروا له مكيدة إلقائه في الجب ليبعدوه عن قلب أبيه غيرة منه وحسداً لقربه من أبيهم، ثم بيع بدراهم معدودة. لكن أراد الله له النجاة وأعطاه المُلك وسجد إخوته له تحيَّة وتكريماً بإرادة الله وأمره. * وخرج ابن نوح عن أبيه رغم نصحه له }يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين{، لكنه لم يسمع و}قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء{ لكنه كان من المغرقين. ثم استسمح نوح ربه أن ينقذ ابنه، حتى أتاه قوله تعالى: }يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ { *** نعم يا صديقي .. أحس بآلامك فصعب أن تأتيك الطعنة من أقرب الناس اليك ، ممن لم تتوقع في يوم أن يجافوك، عندها تظلم الدنيا في وجهك وتشعر بالذل وانكسار النفس. لكن لا تحزن يا صديقي ، فالله أرحم بك من خلقه. كان الربيع بن خثيم - رحمه الله - إذا قيل له : كيف أصبحت؟ يقول: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا. وقال ابن ســعدي - رحمه الله - في تفســــــير قوله تعالى: }وهو اللطيف الخبير{ من معاني اللطيف: "أنه الذي يلطُف بعبده ووليِّه فيسوق إليه البرَّ والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال". • نافذة صغيرة: [[إن الألم بقدر المحبة.]] nafezah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :