القروض الثقيلة من المؤسسات المالية الدولية لم تذهب لدفع التنمية بل ابتلعها بند الرواتب في الموازنة.العرب رياض بوعزة [نُشر في 2017/11/27، العدد: 10825، ص(10)] ليس من باب التهويل القول إن العام المقبل قد يكون أقسى وأسوأ عام يعيشه التونسيون منذ 2010، وخاصة في ظل احتمال انفجار فقاعة الديون التي تعدّ تحديا كبيرا أمام الحكومة، الأمر الذي قد يعيد الدولة إلى المربع الأول في أزمتها المزمنة. هناك قلق متزايد داخل الأوساط الشعبية والاقتصادية من الانزلاق نحو مخاطر عدم القدرة على سداد الدولة للقروض وفوائدها، وأن يكون استقلال قرار تونس داخليا وخارجيا رهين رغبات الدائنين مع استمرار التوسع في الاستدانة. لا يبدو أن خطط الخروج من أزمة الديون المتفاقمة ستكون ذات جدوى إذا لم تكن مقرونة ببعض الحنكة الاقتصادية في إزاحة العراقيل التي لم تنتبه لها الحكومة ومن بينها ادخار جزء من الأموال، حتى وإن كانت الدولة تمر بأزمة، لتنشيط القطاعات الاستراتيجية. من المؤكد أنّ الموازنة لا تستغل الاستغلال الأمثل وغالبا ما تتجه نحو تمويل نفقات غير ضرورية، بينما تواصل الحكومة الاستثمار في مشاريع ذات مردود منخفض، ما يقلل فرص تعديل التوازنات المالية المختلة. ويعكس ارتفاع الديون الخارجية لتونس التي لم تكن تتجاوز 37 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 لتصل حاليا إلى نحو 70 بالمئة من الناتج المحلي، فشل الحكومات المتعاقبة في اعتماد استراتيجية تحقق استقرار المؤشرات الاقتصادية. البلاد اليوم في أمسّ الحاجة إلى معجزة لتبدأ في الحد من الصعود الصاروخي للديون السيادية. لكن ذلك لن يأتي من جيوب المواطنين كما تخطط له الحكومة في موازنة العام المقبل. تفاؤل المسؤولين في كيفية مواجهة الوضع الكارثي يواجهه اختبار حاسم لسداد تلك الديون، في ظل ما تشهده محركات النموّ من شلل إلى جانب تفاقم العجز التجاري الذي تجاوز للمرة الأولى في تاريخ البلاد حاجز 5 مليارات دولار. لقد مهّدت تلك العوامل بلا شك الطريق أمام تدهور قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية، ما أدّى إلى تبخّر جزء كبير من احتياطيات العملة الصعبة من خزائن البنك المركزي، وتسببت في نهاية المطاف في عجز تاريخي في الموازنة. لم تكن تونس بحاجة ماسّة إلى القروض التي حصلت عليها من المؤسسات المالية الدولية لسدّ الفجوات في التوازنات المالية، كما أنها لم تكن أموالا لدفع التنمية، بل على العكس ذهب أغلبها لبند الرواتب. ويفاقم تزايد الديون من صعوبات الإيفاء بالالتزامات تجاه الإنفاق المنفلت على الأجور التي بلغت مستويات خيالية عند نحو 6.5 مليار دولار سنويا، في مقابل تراجع الإنتاج وارتفاع نسبة البطالة واستشراء الفساد. كل الاحتمالات مفتوحة بأن تتزايد أوجاع تونس العام المقبل مع توسع رقعة الديون، فالدولة تنتظر صرف صندوق النقد الدولي للشريحة الثالثة من قرض قيمته 2.9 مليار دولار مع تقدّم الإصلاحات الاقتصادية. ويبدو أن الوضع سيزداد تعقيدا في طريق ردم الفجوة الهائلة في موازنة العام المقبل، حيث تنوي الحكومة طرح سندات في السوق الدولية بقيمة 3 مليارات دولار وسندات في السوق المحلي بقيمة ملياري دولار. ومن المرجّح أن يزيد اعتماد تونس على الاقتراض من معدلات التضخم الذي بلغ 5.8 بالمئة الشهر الماضي، نظرا لما تشكّله هذه الديون من ضغوط على القدرة التنافسية للصادرات وكذلك ارتفاع الأسعار. وتُظهر تلك الأرقام حجم الصعوبات التي تحاصر المواطن البسيط بلهيب الأسعار وانحدار القدرة الشرائية بصورة غير اعتيادية، ويترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام استفحال ظاهرة الاقتصاد الموازي. كاتب وصحافي تونسيرياض بوعزة
مشاركة :