لويزة حنون مضى عليها أكثر من 20 سنة وهي تقبض بأسنانها الفولاذية على زعامة حزب العمال، ولا تريد أن تفسح المجال للجيل الشاب لكي يتسلم منها المشعل لينهض بهذا الحزب الذي تخشبت مفاصله.العرب أزراج عمر [نُشر في 2018/02/15، العدد: 10901، ص(9)] رفعت زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون صوتها الأسبوع الماضي، ووعدت الشعب الجزائري بأنها ستتقدم قريبا بمبادرة تنهي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، وإلى جانب ذلك فقد طلبت من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أن يتدخل لوقف انحرافات الحكومة وذلك من أجل الحيلولة دون تحويل الإضرابات التي تشهدها بعض القطاعات الأساسية، مثل قطاع الصحة، إلى حصان طروادة تستغلها جهات خارجية ضد الجزائر. وبطبيعة الحال، فإن لويزة حنون لم تفصح عن محاور مبادرتها، كما أنها لم تحدد هذه الجهات الخارجية التي تفترض، من غير تقديم الأدلة الدامغة، أنها تتربص بالجزائر. وهنا ينبغي تسجيل ملاحظة تتمثل في أنَ زعيمة حزب العمال لم تطور خطاباتها منذ سنوات طويلة، بل إنها لا تزال تعيد إنتاج نفس الخطابات التي ما فتئت تلوكها باستمرار وفي مقدمتها تحويل الرئيس بوتفليقة إلى حكم منزه ومحايد، فضلا عن اعتبارها له بأنه صاحب القدرة الكلية في الوقت الذي تعلم علم اليقين أنه مريض منذ سنوات وجراء ذلك فهو ليس على تماس حقيقي مع تفاصيل الحياة السياسية ومع مختلف البروتوكولات التي تمارسها الحكومة التنفيذية في الميدان. لا شك أن لويزة حنون تطمس بواسطة سلوكها هذا حقيقة الوضع السياسي في البلاد ولا تسمي أسماء الشخصيات التي تتكون منها المجموعة التي تحكم البلاد من وراء الستار باسم الرئيس بوتفليقة، وتتظاهر أمام الجزائريين بأنه هو الذي يصدر القرارات ويدير دواليب الدولة. وفي تقديري فإن هذا النوع من الخطابات التي تنتجها وتعيد إنتاجها لويزة حنون ليست وحيدة في المشهد السياسي الجزائري الراهن، بل إن معظم خطابات أحزاب المعارضة تكاد تنسخ بعضها البعض وتكرر تقريبا نفس المضامين التي تتضمنها تصريحات زعيمة حزب العمال لويزة حنون. نسجا على هذا المنوال وجدنا في هذا أيضا رئيس وزراء الجزائر السابق الدكتور أحمد بن بيتور قد أدلى في الحوار الطويل الذي أجرته معه يومية الشروق بمجموعة من النصائح للخروج من الأزمة، وفي مقدمتها دعوته إلى التجنيد السلمي الذي يعتبره السبيل الوحيد القادر على إخراج البلاد من الأزمة، ويقصد بطبيعة الحال الأزمة الاقتصادية التي تنهك كاهل المواطنين والمواطنات. في هذا السياق يلاحظ أن زعيمة حزب العمال لويزة حنون تستجدي الرئيس بوتفليقة لينفذ لها مطالبها في حين يكتفي بن بيتور برسم معالم الخطة التي أفصح عنها منذ سنوات ولم تتحلق حولها أحزاب المعارضة ولم يتبناها المجتمع المدني مثلما لم تعرها الحكومة التنفيذية أي اهتمام يذكر. وفي الحقيقة فإننا أمام مشهد سياسي جزائري فولكلوري مزدحم بالنصائح والمبادرات التي يسخر منها الشعب الجزائري، الذي يعرف في الجوهر من الذي يدير دفة الحكم في الخفاء، ومن الذي يعرقل طموحاته ويهدد مصالحه الاقتصادية والاجتماعية. وفي الحقيقة فإن المواطنين الجزائريين يدركون تماما أن معظم الشخصيات المعارضة المحورية، وكذلك تلك التي تقدم نفسها موسميا في المناسبات على أنها خارج سرب السلطة والمعارضة الرسمية ما فتئت تسيطر على قيادة الأحزاب، وعلى المشهد السياسي الوطني الأمر الذي يفقدها النزاهة في الممارسة السياسية والالتزام بأخلاقيات تداول الحكم. لويزة حنون مثلا مضى عليها أكثر من 20 سنة وهي تقبض بأسنانها الفولاذية على زعامة حزب العمال، ولا تريد أن تفسح المجال للجيل الشاب لكي يتسلم منها المشعل لينهض بهذا الحزب الذي تخشبت مفاصله، حيث صار يفتقد إلى الابتكار الفكري والسياسي بل إنه يعيد يوميا إلى الواجهة مأساة نكوص الفكر اليساري في الجزائر وفي العالم الثالث بشكل ملفت للنظر. أما رئيس وزراء الجزائر الأسبق، أحمد بن بيتور، فهو بدوره يردد خطابات قديمة لم تعد تحرك فضول القاعدة الشبابية، كما أنه لا يعترف بوضوح وفي صورة نقد ذاتي نزيه بأنه كان في الماضي القريب جزءا من النظام السياسي الذي حكم ولا يزال يحكم الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم، وزيادة على ذلك فقد فشل في تقديم المبررات الكافية والمقبولة التي يمكن أن تبعد الشبهات عنه. والحال فإن بن بيتور لم يبرهن يوما وعمليا أنه صاحب مشروع حداثي وخاصة عندما كان في عز قوته السياسية. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :