لقد تعرضت الأمة لهيمنة من خارج ثقافتها، ما جعل العطايا المقابلة لا تناسب العقول ولم تكشف مشكلتها الحقيقية مع مفاهيمها الأصلية، فكانت تتواجه ميدانياً وتتوحد مع الجماعة وتختلف في جوهرها حتى أصبحت قوى متناقضة وبالتالي أدى ضعف إمكاناتها البشرية إلى صور مختلفة من الإحباط. فأين اليقين إذا لم ندرك أهمية العصر الحديث وفائدة العلوم والبراهين والمعقول من الموجودات والمعاش الروحاني، ويرى فيلب كير المختص في شبكات المعرفة الجديدة، أن المجتمعات حالياً تخضع لتحولات جذرية في أشكال تبادلاتها، وسيصبح العمل والتواصل مع الآخرين خاضعاً لثقافة افتراضية تجريدية وكونية. أما سؤال فيلب فهو كالآتي: ما هي آثار العالم الافتراضي على الإنسان؟ أستكون إيجابية أم سلبية؟ وجوابه كان مثالياً جداً انطبق على المجتمعات المتنوعة، حيث قال إنه بمثابة قنبلة ذرية جديدة ستفجر قنبلة فكرية، وسيكون لها آثار إيجابية وأخرى سلبية في مصير الإنسان، ففي هذه الثقافة ستشهد ذوبان الفرد وتفكيك الأسرة كمؤسسة تقليدية، واندحاراً للمقاولة الصناعية، وانهياراً للأمة كمفهوم جغرافي. لم يعلم هذا الرجل ماذا حل في مجتمعاتنا العربية من جراء هذه النقلة الكبيرة وهذا التاريخ العالمي المعاصر، ومقدار الانهيار الاجتماعي والجغرافي الذي أصابنا وأصاب قضايانا المصيرية لقد كانت قضية واحدة واليوم مجموعة كبيرة من القضايا تعذر الوصول بها إلى السلام، فالبحث عن مبدأ التراجع ساعد على فهم الواقع رغم المغالطات التي يتبناها البعض، بدعوى القدرة على تحقيق مطالب التقنية والعصر، إن معظمنا يبحر في المنوال الحضاري وثقافة العصر وهو يجانب الصواب ويميل إلى الأفكار الثورية، ويخلق نظرية جديدة حول قضايا لا نفهمها تفضي بالتدرج إلى جدل قائم على تناقض وانفصال كبيرين. لقد استمر الخوف من العالم الجديد والعولمة لعقود، وظل الهم الكبير من هيمنة ثقافية أخرى وتواصل الإيغال في المقدسات حتى ظهر التشدد في أوجه مختلفة، واتبعه التباكي على حاضر في كل نواحي الحياة المختلفة ما ولّد التعصب والتجمهر الفكري السلبي، فارتبطت هذه التقنيات بالسلوك وآلية القلوب، فالمجتمع يعاني من الإحباط في كل شيء رغم الإنفاق الضخم من الدولة سواء في الصحة أو التعليم أو الرياضة أو المشاريع الحيوية التي رُصدت لها مبالغ كبيرة. إن مبدأ تقييم الجهود يحسن الأسباب الموضوعية ويرغم الإدراك على فهم الواقع ليكون أكثر أصالة وعمقاً. فضلاً عن أن التكنولوجيا الحديثة قدمت خدمات جليلة للعالم كانبثاق علم جديد وديمقراطية ذات بعد كوني، فالمهارة ليست في الإعداد فقط وإنما في التنفيذ الذي يقدم حلولاً جذرية لكل الفعاليات والمشاريع ويتمكن الإنسان من تحقيق حلمه وإنتاج طاقة لا تنضب تتحول إلى نجاح يغير وجهة الزمن القديم الذي عاش في مخيلته طويلاً.
مشاركة :