غالباً ما يريد الرسام أن يشعر الطبيعة والناس ليرسم ما يضمر في نفسه، ويحضن الأحداث بريشته ليعيشها على لوحات الضباب ويفتتن بأجمل ملامح النقاء والصفاء ويعيد بذلك صياغة الشعور والإحساس بألوان متعددة، ويقول هيجل: (إن ما يبهجنا هو محاكاة الطبيعة لما هو إنساني) وترجمة الخيال إلى واقع تلعب المحاكاة والصور أدواراً مختلفة فيه. ويُضاف إلى ذلك وجود العاطفة للمحاكاة التي تحافظ على الأشكال الإنسانية وخاصة المؤلمة منها والتي تتربع على عرش الذكريات، ويهدف الفن في مجمله إلى التفكير التشكيلي الذي يوجد إلى جانب التفكير العلمي أو التقني وبالتالي يُعد متنفساً للإنسان من جميع الظروف القاهرة التي تعرقل مسيرة الحياة أحياناً. ولو فسرنا الأثر الفني الذي يقوم على الموهبة لوجدنا تأويلات لا تنتهي وبالمجمل يظل قيمة من القيم الأساسية التي قال عنها إيمانويل كانط: إن الفن إنتاج حر للجمال وإبداع يميز الكائنات العاقلة وحدها لأنه يستلزم الوعي والقصد. واللوحة الجدارية التي حملت هيئة الملك عبدالله رحمه الله وجسدت كيانه الراحل عن الدنيا، كان لها أبلغ الأثر في نفوس الناس دون استثناء عبر الرسام عن حزنه وفقده للأب الحنون، فقد كان تزاحم الناس مؤشراً جميلاً للغاية، لشعورهم بالفقد والأسى الذي ملأ أرواحهم ووجدوا تلك الخطوط بريشة الرسام مزجت الألم بالفعل وعبرت عما يجول في دواخلهم فكانت اللوحة غاية أخلاقية. فالجمال الحقيقي هو ما تدركه الحواس وتشعره الناس، ومن ثم تجد أن ارتباط الأرواح بواقعها أكبرمن أن تحابي الخيال أو تركن إليه فتفقد ساقيها وتظل قابعة في زاوية مغلقة لا يدخل إليها الضوء وتستأثر الحيرة على الموجودات الواضحة للعيان. ولقد أنتج هذا الرسام الأصل وصورته وكرس جهده لإظهار حزنه وعظمة الأصل ولم يتخلّ عن قناعته بل استحسن التعبير بريشته للتاريخ، فيما عبرت هذه الصورة أو اللوحة عن ملايين الكلمات، فغالباً ما تبقى الصور ويرحل أصحابها إلى جوار ربهم الذي لا يموت ولا يفنى. إذاً نريد تحسين المواد الاختيارية والتي تعتبر هامشية في المنهج الدراسي كالرسم والنحت والمسرح، وتشجيع المواهب يعد من المثابرة العلمية التي تصقل العقول، فالإنسان لا يستقيم وجوده إلا إذا عبّر عن ذاته وهيأ الفعل لما يكتنز في داخله، دعوا الأطفال يظهرون الصور التي في مخيلاتهم فالصورة اليوم من الوسائل الحديثة ولغة من لغات التواصل فهي تعبر عن رسالة لها معنى. إن الكلمات دون صور لا تقدم شيئاً ملموساً وليس لها تأثير في مجرى الأحداث، إن الخصوصية الثقافية ليست عائقاً أمام متطلبات عالمية وفضاءات فنية كونية فالحضارات مهد الثقافات المتنوعة، والمساهمة الخلاقة ما هي إلا نتاج للإبداع والابتكار، فالفن مطلب يثري الهوية ولا يناقضها. والهيمنة اليوم للمبدعين والمتفوقين على صفحات التاريخ وليس للذين يختبئون خلف الوراثة البيولوجية السقيمة؛ لإن غياب النموذج الاجتماعي المميز يعيش تحت تأثير المحيط الثقافي المتراجع إلى الخلف. وياحبذا لو أضفنا إلى حصص الرسم كتيبات تحمل بين صفحاتها نبذاً مختصرة عن الفنانيين العالميين وأسماء لوحاتهم وتاريخ حياتهم وقيمة الفن المعاصر والفن في القرون الماضية، فعندما نتفحص مفاهيم المواد العلمية ومدى جديتها تؤكد أنها لن تنجح الإنشاءات النظرية دون وجود التصور الذهني. فالحياة اليوم تعتمد اعتماداً كلياً على الخبر والصورة، وبها يميز العالم جمال الأشياء وقبحها، علاوة على أن الفنون تخلق المدركات الحسية وتصاعد القدرات وتعمل على تطور المعرفة الجمالية وتحجيم العنف.
مشاركة :