يجلب اللحم قديماً من البادية عادة من السعودية والعراق وإيران، وأحياناً من بعض الدول الخليجية، كعُمان وغيرها. وكانت ساحة الصفاة مكان التجمع والبيع، وقد يتم الشراء أيضاً من خارجها، أما سوق اللحم فتعرض وتباع فيه أنواع لحوم الحيوانات التي تذبح، وبصفة أساسية الغنم، ثم الإبل والبقر. ويباع اللحم مع العظم والشحم كذبيحة كاملة مع الرأس أو من دونها، أو نصف الذبيحة، أو جزء منها، أما الكبد والقلب والرئتين والرأس والكليتين فتباع منفردة. وأفضل اللحوم طعماً وذائقة لحوم الحيوانات الصغيرة، فالحرص إنما يكون على الطلي صغير الغنم، أو الحاشي صغير الإبل، والعجل الصغير. لذا أسعارها ترتفع عن غيرها الكبيرة الحجم، والسعر يتحدد في مجمله على كثرة أمطار السنة أو قلتها، وما توافر من أعلاف، كما ترخص أسعار اللحم في الصيف خاصة، نتيجة عدم وجود وسيلة تبريد ناجعة للاحتفاظ به، كما حال اليوم، فالبيع عادة قديماً ينتهي بانتهاء اليوم، ولا يخزن منه إلا القليل خوف فساده. وعادة يتم ذبح الذبيحة في المقصب القريب من منطقة الشويخ، مقابل بوابة المقصب، نظير مبلغ ثلاث آنات على رأس الغنم، وروبية وآنتين على الإبل والبقر، ويُفْحَصُ لحم الذبيحة ومتعلقاتها، وخاصة الكبد حرصاً على صلاحية الذبيحة وخلوها من الأمراض، والقصاب يعرف ذلك اعتياداً، وقد استخدم فيما بعد البيطري ليقوم بذات العمل. ويستخدم القصاب أدواته للذبح، يراعي فيها النظافة وشروط إهراق الدم بالطريقة الشرعية المناسبة، فيحد السكين المستخدمة بالمسن، وكذا الحال بالنسبة للطبرزين (الطبر)، ولا يستخدمه إلا في مواضع يتطلبها كسر العظم، حتى لا يختلط اللحم بالعظم، لذا فالخبرة هنا لها محلها اللائق، كما يحافظ على نظافة الخشبة المخصصة لتقطيع اللحم، والخطاف (العِلاّق) الذي يتم تعليق الذبيحة عليه، ويتم كل ذلك بصورة دورية. وقد يتم الذبح في البيوت، فيتولى رب الأسرة القيام به، أو من ينوب عنه، إن كان ماهراً في ذلك، وقد يستعان بأحد الجيران إن تطلب الأمر وعرف أصول الذبح، وقد يجلب رب الأسرة قصاباً لينفذ المطلوب. وقد اشتهرت بعض العوائل الكويتية الكريمة بهذه المهنة. واللحم قديماً يجلبه رب الأسرة من محل بيعه في سوق اللحم، ويضعه في حقيبة جلدية (چمته)، ولا يخزنه أكثر من يوم، والبعض إن أراد حفظه أياماً قَطَّعَهُ إلى شرائح رقيقة، ثم يُمَلِحُهَا وينشرها لتجف، وبذا يضمن عدم فساد اللحم، ويستخدم اللحم المجفف لحين الحاجة، ويسمى هذا اللحم المملح المجفف «قفر». تقوم محال «الباچة» بشراء متعلقاتها من «الكراعين»، سيقان الغنم وأرجلها، والرأس وما حوى، وخاصة اللسان، والباچة لها روادها من المحبين، ويتطلب إعدادها وتجهيزها وقتاً طويلاً لإنضاج ما يجب انضاجه من محتوياتها، وقد عرفت في ذلك الزمان محال اتقنت طبخها، وخاصة في منطقة شرق. تقوم على اللحم الكثير من الأكلات الكويتية العربقة. أما الجلود فتباع لتجار الدباغة، حيث تنظف وتجفف، ثم تصدر إلى بلاد الشام وغيرها. يبقى سوق اللحم ومتعلقاته موضوعا يُثار في كل مناسبة تقام، وفي كل جلسة تراثية يحرص روادها على تذكر الماضي الجميل، بما يحمله من أنس وبهجة لمن عاصروا أو سمعوا عنه. د. سعود محمد العصفور dr.al.asfour@hotmail.co.uk
مشاركة :