الشعب الإيراني يدفع ثمن فشل سياسات الملالي

  • 5/18/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

امرأة تمر أمام جدار ولافتة تعلن عن منح ملابس مجانية للفقراء (غيتي) لندن – حنان عزيزي* السياسي الإيراني رضا تقي زاده: رد الرئيس الإيراني على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تم التخطيط له مسبقا من قبل أعلى أركان النظام حيث اقتصرت مهمة روحاني على الإعلان عنه. * اتسم الرد الإيراني على انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وتصريحات ترمب بهذا الشأن بالحذر والرغبة في استمرار التعاون والبقاء في الاتفاق النووي. لقد نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعده خلال حملته الانتخابية وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي ووقع على مرسوم يقضي بإعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بموجب الاتفاق النووي. ورغم أن تهديد الرئيس الأميركي حول انسحاب بلاده من الاتفاق النووي قد أثار ردودا حادة من قبل القيادات العسكرية والسياسية العليا في إيران، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني في أول رد على خروج أميركا من الاتفاق النووي قال إن إيران ستبقى ملتزمة بالاتفاق في حال وصلت إلى نتائج إيجابية خلال مفاوضات ستجريها مع الأوروبيين وروسيا والصين. ويبدو أن إيران لم يكن أمامها خيار آخر غير الالتزام بالاتفاق النووي. وربما روحاني وأعضاء الحكومة الذين ظلوا ساهرين حتى وقت متأخر بتوقيت طهران يترقبون إعلان قرار ترمب حول النووي كانوا يأملون أن يكون الانسحاب الأميركي من هذا الاتفاق «سلسا» نوعا ما. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن الإيرانية؛ حيث شن دونالد ترمب هجوما حادا على الممارسات الإرهابية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية لزعزعة الأمن والسلام في المنطقة. وتابع أنه سيفرض أقسى العقوبات على نظام طهران. وبالتالي عادت كل العقوبات مرة أخرى وسيتم فرض قيود مشددة وجديدة على المبادلات التجارية والمصرفية وخاصة صادرات النفط الإيرانية للدول الأوروبية والآسيوية.رد إيراني لم يرتق إلى مستوى التهديدات واتسم الرد الإيراني على انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وتصريحات ترمب بهذا الشأن بالحذر والرغبة في استمرار التعاون والبقاء في الاتفاق النووي. وأكد مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي الذي هدد سابقا بحرق الاتفاق النووي في حال انسحاب الولايات المتحدة منه على ضرورة أخذ ضمانات من الأوروبيين للوفاء بالتزاماتهم في الاتفاق النووي. ويؤكد موقف خامنئي حول الانسحاب الأميركي من الاتفاق على أن الجمهورية الإسلامية قررت البقاء في الاتفاق النووي ولكن على طريقتها الخاصة حيث سيتخذ المرشد كعادته موقفا حادا ومتشائما نابعا من عدم الثقة بالأميركيين والغربيين فيما تتحمل الحكومة مسؤولية إجراء المفاوضات. يرى المراقبون أن خامنئي يسعى من خلال الزعم بأنه لم يكن متفائلا منذ البداية ولكنه لم يكن يرغب في التدخل في سياسات الحكومة إلى توجيه السياسات الكلية للنظام حسب رغبته في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. ويرى رضا تقي زاده المحلل السياسي الإيراني المقيم في بريطانيا أن رد الرئيس الإيراني على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تم التخطيط له مسبقا من قبل أعلى أركان النظام حيث اقتصرت مهمة روحاني على الإعلان عنه. وأضاف: «إذا قرر النظام الإيراني أن يقوم بالمثل بعد الانسحاب الأميركي فكان سيخسر دعم الدول الأوروبية الثلاث التي أكدت في بيان لها أنها ستلتزم بالاتفاق النووي وبالتالي كانت ستفرض كل القرارات والإجراءات العقابية السابقة الصادرة من مجلس الأمن، ومنها القرار رقم 1929 وكانت الأمور ستصل إلى تهديد إيران بضربة عسكرية. غير أن الرد الإيراني الذي أعلن عنه حسن روحاني بشأن تمسك بلاده بالاتفاق النووي يظهر بأن الجمهورية الإسلامية تسعى إلى تهدئة الأوضاع داخليا في الوقت الحالي وإلى البحث عن حلول لتجاوز هذه الأزمة على المدى المتوسط والتخفيف من وتيرة الاحتجاجات المناهضة للنظام».صورة تجمع آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووريثه في ولاية الفقيه آية الله علي خامنئي خلف نافذة زجاجية محطمة في موقف للسيارات في أصفهان – إيران (غيتي)هل من فائدة من الاتفاق النووي من دون أميركا؟ في الوقت الذي رحبت فيه القيادات العسكرية والحرس الثوري بالانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وكان الانسحاب الأميركي متوقعا أساساً، غير أن القيادات العليا في الجمهورية الإسلامية لم تكن تتوقع الموقف الحاد لترمب بشأن هذا الاتفاق والسياسات الإيرانية الإقليمية وضرورة مواجهتها واستئناف كافة العقوبات النووية. ويرى علي أفشاري المحلل السياسي الإيراني المقيم في أميركا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والاستمرار في إطار مجموعة 4+1 يقلص المصالح الإيرانية إلى نصف ما كان عليه وذلك في ضوء عزم الإدارة الأميركية على فرض أقسى العقوبات على الاقتصاد الإيراني المتأزم أصلا.الأوروبيون في مأزق؟ أكدت القوى الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) على ضرورة حفظ الاتفاق النووي واستمرار التزام الجمهورية الإسلامية بتعهداتها. يرى أفشاري أن الأوروبيين لا يرغبون في أن تستأنف إيران أنشطتها النووية الحساسة مما يؤدي إلى تصعيد عسكري وزعزعة الاستقرار في المنطقة المضطربة أصلا. وبالتالي ترى الوكالات الاستخباراتية الأوروبية وخلافا لنظيرتها الأميركية أن الاتفاق النووي هو لصالح توفير الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. كما أن الشركات الأوروبية تربطها مصالح اقتصادية واستثمارات بإيران وترغب في الدخول إلى السوق الإيرانية غير أن هذا ليس كل شيء. ولكن الأوروبيين لديهم ما يقلقهم بشأن إيران؛ مثل برنامج الصواريخ الباليستية وأنشطة الجمهورية الإسلامية المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ولذلك فإن المفاوضات مع الأوروبيين بعد خروج أميركا من الاتفاق النووي لن تكون سهلة بالنسبة للإيرانيين لأن الأوروبيين والأميركيين لديهم موقف مشترك بشأن ضرورة احتواء إيران، ولكن الجانبين يختلفان حول التفاصيل وأساليب تنفيذ هذه الاستراتيجية. لم تتمكن الشركات الأوروبية من القيام باستثمارات كثيرة وكبيرة في إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي وبالتالي لم يشهد القطاع الاقتصادي الإيراني تحولا وتحسنا كبيرا. لقد أعطت الإدارة الأميركية للشركات الأجنبية التي تقوم بالاستثمارات في إيران فرصة 3 أشهر و6 أشهر للانسحاب من السوق الإيرانية. إذن فإن معارضة الدول الأوروبية مع العقوبات الأميركية الجديدة لا تغير من الواقع الموجود شيئا وهو أن الأنشطة التجارية الأوروبية ستواجه أشد العقوبات وأقساها في حال استمرار التعاون مع إيران. ويعتقد أفشاري أنه وبالنظر إلى القيود المشددة على نشاطات الشركات الأجنبية في إيران ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الأوروبيين سيفضلون في النهاية السوق الأميركية على السوق الإيرانية لأنه لا مجال للمقارنة بين مزايا السوقين وأهميتهما للأوروبيين فمن المستبعد أن تجازف الشركات والمؤسسات الأوروبية في الاستثمار في السوق الإيرانية.إيران بين خيارين أحلاهما مر يبدو أن إيران ستواجه موقفا صعباً؛ إما إلغاء الاتفاق النووي الذي يؤدي بدوره إلى خلق أزمات جديدة للنظام الإيراني في حال أراد استئناف تخصيب اليورانيوم، وإما عدم الانسحاب من الاتفاق النووي والخضوع للمطالب الأوروبية وتقديم امتيازات أكبر للأوروبيين مما قد يؤدي إلى ممارسة الضغوط عليه للتفاوض حول البرنامج الصاروخي وتغيير سياساته الخارجية. ويرى المراقبون في الشأن الإيراني أن هناك احتمالا ضئيلا بأن يلجأ النظام الإيراني إلى خيار المواجهة في ظل عودة العقوبات المشددة واستمرار الاحتجاجات الداخلية على تردي الأوضاع المعيشية. ويقول أفشاري إن «تشكل الحروب بالوكالة والعمليات العسكرية في سوريا والعراق ولبنان واليمن أدوات الضغط الرئيسية للنظام على الغرب، لأن الاتفاق النووي فقد جزءاً كبيراً من أهميته بعد الانسحاب الأميركي. تمثل الأنشطة الصاروخية ومكانة إيران العسكرية في المنطقة نقطة قوة لها ولا تتخلى عنهما إيران بهذه السهولة. ولكن هذا ليس أمرا مطلقا بل تابع للظروف والوقائع على الأرض وموازنة القوى. كما أجبرت الضغوط الناجمة عن العقوبات النظام الإيراني على اعتماد الليونة رغما عنه والتوقيع على صفقة نووية، فيمكن أن يتكرر هذا السيناريو في البرنامج الصاروخي الإيراني أيضا».صفقة أو اتفاق حول البرنامج الصاروخي على غرار النووي يبدو أن النظام الإيراني له اليد العليا في المشهد العراقي واللبناني وسوريا واليمن.. يتم تحديد الواقع الميداني والمعادلات حسب موازنة القوى وإذا لم تتغير موازنة القوى لصالح الدول المنافسة لإيران ستبقى إيران القوة الأولى في المنطقة ولكن إذا تغيرت المعادلات في الدول المذكورة على حساب إيران فعندها سيجد النظام الإيراني نفسه في مأزق لا يستطيع فيه الاستمرار في سياساته الحالية مما قد يضطره إلى القبول باتفاق أو صفقة حول برنامجه الصاروخي على غرار ما حصل لبرنامجه النووي. هناك تيارات متشددة في النظام الإيراني ترغب في استئناف البرنامج النووي في الوقت الذي يرى المعتدلون بما فيهم الرئيس روحاني ضرورة اجتناب مواجهة أو عدم الرد بالمثل ضد أميركا. وبين التيارين يبقى القرار الحاسم بيد المرشد الذي سيسعى حسب المراقبين إلى أن يتعامل بالازدواجية حيث يدعم بالقول والتهديد وكعادته المتشددين في مطالبهم باستئناف البرنامج النووي ولكنه سيتخذ الحيطة في العمل ليرى حجم الضغوط والعقوبات وتأثيرها على المجتمع الإيراني ومن ثم يتخذ قراره الحاسم بشأن عودة إيران إلى طاولة المفاوضات حول الاتفاق النووي وربما تقديم امتيازات أكثر والقيام بتعديلات في برنامج الصواريخ والسياسات الإيرانية في المنطقة. هناك احتمالات كثيرة بشأن مرحلة بعد الاتفاق النووي وكيفية تعامل النظام الإيراني معها ولكن العامل الثابت والوحيد هو أن الشعب الإيراني يضطر مرة أخرى إلى دفع ثمن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وما ينتج عنه من عقوبات اقتصادية قاسية سيكون الشعب الإيراني أكبر ضحاياها.

مشاركة :