حينما كنت في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة القضيبية، فزت بجائزة من مجلة «سمير»، التي كانت معروفة في تلك الأيام بين أطفال زماننا. كانت الجائزة عبارة عن مجلدين لمجلة سمير ورواية مترجمة اسمها «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوماس، وهي رواية عالمية تُرجمت إلى عدة لغات، واعتُبرت من الكتب الخمسين الأكثر مبيعًا في العالم. وبسبب ما تتميز به هذه الرواية من أحداث مثيرة، وخاصة أنها رواية حقيقية وواقعية جزئيا حسبما يقال، فقد دخلت السينما في أقطار عديدة وبلغات عديدة، وظهرت على المسرح. أحداث هذه الرواية تدور في بداية حكم الملك لويس الثامن عشر لفرنسا وخلع نابليون عن الحكم عام 1815. تتعرض هذه الرواية لمأساة البحّار إدمون دانتيس، الذي يتعرض للخيانة من أقرب أصدقائه الذين يلفّقون له تهمة خيانة الوطن أيام نابليون حيث كان أحدهم يحب خطيبته ويتمنى الزواج منها، ويُقبض عليه في ليلة زواجه ليقضي حياته في سجن مرعب وفي سرداب لا تدخله الشمس بحكم مدته أربعة عشر عاما. وهناك يلتقي صدفة برجل عجوز بالغ الثراء ولا وريث لديه فيعتني بهذا العجوز الذي كانت صحته تتدهور يومًا بعد يوم. كان هذا العجوز يحفر جدار زنزانته المبنية بكتل خرسانية ضخمة مدة ثماني سنوات، ليفاجأ بعد كل ذلك العمر بأنها تؤدي إلى زنزانة أخرى هي زنزانة إدمون. وكان هذا العجوز رجلاً عالمًا بالرياضيات والفلك والعلوم الأخرى وعلّم إدمون كثيرا من معرفته. يتفق الاثنان على الحفر معًا طمعًا في الهرب من هذا السجن المخيف لكن العجوز يلقى حتفه. يكشف له العجوز قبل مماته عن المكان الذي خبـأ فيه ثروته الكبيرة ويعطيه خريطة المكان. ويتمكن إدمون دانتيس من الهرب من السجن ويعثر على الكنز. ويجد أن خطيبته تزوجها صديقه الذي خانه بعد أن ظنت أنه قد مات في السجن. ويصبح إدمون بالغ الثراء بسبب الثروة التي حصل عليها من العجوز، ومن هنا تبدأ رحلة الانتقام من أصدقائه الأربعة الذين أصبحوا من الطبقة الأرستقراطية ومن أصحاب الثروات، ويتخلص منهم واحدًا تلو الآخر. إنها رواية تتحدث عن الصراع بين الخير والشرّ، وأنه ليس هناك شر مطلق أو خير مطلق، وأن كل الأمور نسبية. الانتقام حس غريزي في الإنسان إن لم يهذبه شيء أو تردعه قيم معينة أو دين معين. ولد كاتب الرواية ألكسندر دوماس في عام 1802م وتوفي عام 1870م، والرواية المذكورة هي من أشهر رواياته بالإضافة إلى «الفرسان الثلاثة» و«فيكونت براجيلون» وأيضا رواية «فارس سانت هيرمين» التي لم يتمكن من إنهائها بسبب وفاته، وقام الباحث كلود شوب باستكمالها بسبب خبرته، وتم نشر الرواية في سنة 2005 لتُصبح من أكثر الروايات مبيعًا. استفادت السينما المصرية أيام أفلام الأسود والأبيض من رواية «الكونت دي مونت كريستو، في فيلم «أمير الانتقام» من بطولة أنور وجدي ومديحة يسري وأيضا في فيلم «أمير الدهاء» من بطولة فريد شوقي وشويكار، وهذان الفيلمان استقطبا مشاهدات كثيرة بسبب الأحداث الغريبة والمثيرة فيهما، وكنت أنا واحدًا من الذين شاهدوا هذين الفيلمين عشرات المرات، أنهما من ذكريات الطفولة والصبا التي لا تُنسى. أصبحت رواية الكونت دي مونت كريستو خالدة على مر الزمن والفضل يرجع في الأساس إلى السينما والمسرح حيث أنتجت كثيرا من الأفلام العالمية التي استوحت حكايتها من هذه القصة المثيرة الرائعة.