بروحي تلك الأرض ما أطيب الربى وما أطيب المصطاف والمتربّعا (الصمة القشيري) هل هو الربيع العربي؟ لكنه لن يبدأ من شاشة الأخبار سيبدأ من قلوبنا وسينسرب من أناملنا وسيزهر يوما ما في مآقينا.. ولكنه لم يبدأ إلى الآن، وما يحدث الآن حولنا هو حراك ومخاض غامض احتار الإعلام في تسميته، فاستعار له كلمة الربيع العربي، وقرن الحراك الشعبي بذلك الذي حدث في فرنسا عام 1968.. فاسموه ربيعا. يقول الشاعر الصيني تانغ بو (قبل أن ترسم خيزرانا دعه أولا ينبت داخلك).. ما نراه حولنا ليس بربيع بل هو لافتات صغيرة متجاورة تصطف على درب طويلة رفعتها شعوب تتوق إلى التغيير، قد تكون إحدى تلك اللافتات روشتة مريض لم يجد علاجا، أو شهادة عاطل لم يجد وظيفة، أو مقال كاتب لم يجد حيزا للنشر، أو صك بيت وضعت عليه اليد بدون اهتمام من الجهات العدلية.. ما يحدث هو غضب لكن لم يستطع أن يستظل بهوية.. ولم يجد أباً يشكو له.. فأسلم هذه اللافتات أو الشكاوى لسيد الدم.. فحولها ذلك السيد إلى أنهار وجثث وفوضى وخراب.. وأرواح ناقمة لم تجد على أرض الواقع سوى خرائط الفوضى الخلاقة وإرث الرماد. الربيع لم يحضر لأن شعوب المنطقة لها جنتان.. واحدة أرضية والأخرى علوية، وهي لم تقرر في أيها ستعيش، وأيها ستستقر، في الجنة الأرضية العابرة؟ أم أنها فقط ستستظل بشجرها مسافرة نحو سدرة المنتهى. أمضى العالم العربي قرنه الماضي وهو يقوم بعملية انتقائية مشوهة، كيف أكون جزءاً من العصر وفي نفس الوقت خارجه، كيف أبحر نحو المستقبل بينما قدمي لاتبتل وتظل على الشاطئ، كيف أكون في المكان وعكسه في الوقت نفسه؟! فلم يجد المستعمر ترياقا لهذا الجمود والاستاتيكية سوى الفوضى الخلاقة، وقرابين تساق كل يوم لترسم دماؤها خارطة الشرق الأوسط الكبير (ما هذا الغرب الذي يرفض أن يعرف الشرق إلا كما يعرف الذئب فريسته، ما هذا الشرق الذي لايعرف الغرب إلا كما تعرف الفراشة النار/ أدونيس). كتب داريوش شايغن في كتابه المتميز "الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة "(الحضارات العريقة غير الغربية، بحكم مخزونها الروحي الكبير، فقد بقيت منفتحة على لغة الأساطير العتيقة، وبما أن هذه الأساطير لاتجد لها في العالم المحيط محلا موضوعيا، فإنها تنطوي على أفق المعتقدات من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأت الخطابات الاجتماعية/ السياسية الحديثة تنتشر وتستقطب كوادر الانتلجنسيا، ولا يستطيع هذان المستويان الثقافيان، اللذان يملك كل واحد منهما نمطا خاصا في تمثل العالم التواصل دون أن يعنف منهما الآخر، إضافة إلى أن رموز هذه الحضارات لا تستطيع أن تتجلى في إطار اجتماعي سياسي إلا متنكرة وراء أقنعة تاريخانية). هل هذا ما حجبَ الربيع عن العالم العربي.. فلم يربع؟ والفرد العربي مأسور إلى قوافل التاريخ.. بينما الزمن ما برح على ضفاف الحمى ولكنه لم يدخل إلى أرضنا.. وبين خفق البرق ورقصة الغيم.. سنظل نرقب ونترقب.. ربيعنا.
مشاركة :