«من وحي الاسلام» الفنون الاسلامية: الجداريات والفسيفساء والزخارف الجصية (2)

  • 6/16/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أمثلة من الزخارف الجدارية تكملة: أما في المساحات الواسعة فيستبدل المعماري المسلم بجداريات عريضة أو متوسطة الأحجام كالاطباق النجمية والجامات الكتابية والآيات القرآنية الكريمة والحكم والأمثال والرباعية المعقودة والسداسيات والمثمنات العربية والمثلثات المقلوبة والمعينات المعكوسة والنجوم المتقابلة أو عش النحلة الخلية, والاشكال الهندسية اللوزية والتوريقات الاسلامية والاشرطة النباتية والاشكال البيضاوية, وأوراق العنب المتشابكة أو نماذج من أغصان شجرة الحياة أو الدوائر المعقودة والخطوط المتتامة او الجامات المفصصة والدلال والأباريق المتقابلة. معاني الزخرف في القرآن الكريم: وردت عدة ألفاظ للزخرف في بعض سور القرآن الكريم كسورة الأنعام ويونس والإسراء وسورة الزخرف، وكل لفظة تأخذ منحنى مختلفاً عن غيره بحسب سياق الآية فالزخرف في البيوت هو الزينة الموشاة بالذهب وأحياناً الذهب نفسه, وزخرف القول هو الحديث المزوق المموه الباطل، وزخرف الأرض هو نضارتها وبهجتها وزينتها بألوان النبات، ومن هذه السور ما يلي: في قوله تعالى: «ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفاً وإن كل ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين» [سورة الزخرف الآيات 33-35] «زخرفاً: ذهب أو مزين بالذهب, يظهرون: يصعدون, معارج: مصاعد مراقي وسلالم» وقال تعالى كذلك: «انما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى اذا أخذت الأرض زخرفها وازينت فظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون» [ سورة يونس الآية 24] (اخذت الأرض زخرفها: أخذت نضارتها وبهجتها بألوان النبات, حصيداً: كالنبات المحصود, لم تغن: أي لم تمكث زروعها ولم تقم, مثل الحياة الدنيا: حالها في سرعة زوالها واندثارها). وقال تبارك وتعالى: «أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزّل علينا كتاباً نقرأه, قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً» [ سورة الإسراء الآية 93 (زخرف: ذهب). وقال جل وعلا: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا, ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون» [سورة الأنعام الآية 112]. (زخرف القول: الحديث المزوق الباطل, غرورا: خداعاً واخذاً على غرة, يفترون: يكذبون ويزيفون) تاريخ الرسوم الجدارية وزخرفتها: تمتلئ الكهوف بتصاوير جدارية نفذها الانسان منذ أقدم العصور ومازالت صور الحيوانات موجودة وبارزة في سقوف وكهوف «التامبرا» على خليج «بسكاي» شمال إسبانيا وكهوف «اجانتا» في ولاية حيدرآباد الهندية وكهوف «لامادلين» في فرنسا وغيرها من الاماكن التي تمتلئ بالإثارة وتجذب الأنظار بقوتها وسحرها ومظهرها الممتلئ بالحداثة, وتشير الدلائل التاريخية الى ان اكثر هذه الرسومات قد نفذت بين أربعين الف عام ق.م وعشرة آلاف قبل الميلاد, وما نلاحظه هو الاسلوب والطريقة التي اختار بها هؤلاء الفنانون البدائيون الخصائص التشريحية لرسم الحيوانات واكدوا عليها دون مواربة. واستخدم القدماء المصريون هذا الاسلوب على الواجهات الخارجية لمعابدهم كالحفر الدقيق للخطوط التي تحدد الاطار العام للرسمة ثم يعبأ بالألوان البراقة, وتشمل الرسوم المصرية القديمة على المعابد مشاهد من الحياة الآخرة، وكانت رسوم الرجال تلون بالأحمر والنساء بالأصفر.. وتدل الرسوم على دقة الملاحظة التي يتمتع بها الفنان المصري وهو يصور مناسبات الصيد والابحار في النهر، وقد بذل الفنان الفرعوني جهداً كبيراً للنحت على جدران المعابد بغرض الإيضاح. وأما الرسامون الإغريق فقد تمكنوا من إبداع فن الجداريات وشخوصهم من منابع الفن المصري القديم وفن «مينوي» وهي حضارة (جزيرة كريت القديمة) ولم تعد رسومهم ذات ألوان صريحة بل اعتمدت على الإضاءة والظل. فن الجصيات والفسيفساء خلال العصور: ولا شك أن فن الجصيات والفسيفساء ليس وليد الحاضر المعيش, وانما انتشر منذ عصور قديمة عبر تلاقح الحضارات فنجده بدأ من وادي الرافدين ثم الحضارات الأخرى كاليونانية والفارسية في المنطقة ثم تطور وفق أساليب محلية.. وقد بلغ هذا الفن أوجه خلال العصر اليوناني ثم الروماني في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط خلال القرون القليلة السابقة للميلاد والقرون الميلادية الأولى. واقترن تطور صناعة الجداريات والفسيفساء مع بناء الكنائس التي صورت مشاهد الحياة والعقيدة المسيحية على أرضياتها وجدرانها, بل أعطت في الغرب لهذا الفن شخصية جديدة وروحاً وهدفاً جديدين واصبح الاسلوب الرسمي ويعرف بالنمط البيزنطي وكانت القسطنطينية ذات روابط مع الشرق. وكان من تأثير ذلك استخدام الألوان البراقة والأنماط الهندسية الرئيسية للفن البيزنطي في فن الفسيفساء حيث زينت الحوائط الداخلية للقباب وخاصة للسواحل الشرقية للبحر الابيض المتوسط وامتدت الى المدن الإيطالية كمدينة فلورنسا وسيينا وبيزا وغيرها. انتقال الفن الى أوروبا الشرقية: أما في بلاد أوروبا الشرقية والمعروفة بكرواتيا فنجد رسومات حائطية من أروع ما يكون وقد رسمت الجداريات في الفترة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر بعد الميلاد, ونقل الفنانون الإغريق أسلوب الأيقونات الى روسيا حيث قام الفنان الروسي الشهير (اندرو روبليف) 1360-1430م بتطوير هذا الفن الى مستوى الروعة، وظلت جزيرة (كريت) هي المركز حتى القرن السادس عشر الميلادي واستمر الفن البيزنطي بتأثيره على الاعمال الفنية الأخرى وهو ما يطلق عليه رسومات (الجريكو- JIREECO) بين عامي (1541م-1614م) وبحلول الفترة التي شهدت بناء الكنائس الكبرى في القرن الحادي عشر الميلادي تطور الفن تدريجيا الى الرومانسية أو الأسلوب الغربي العالمي متمثلة في رسوم الحائطيات.. ان فناني عصر النهضة عملوا على مساحات كبيرة وتطوروا في أساليب الفخامة والروعة حينئذ. اهتمام الخلفاء والامراء المسلمين: وشهدت تقنيات فن الجداريات والفسيفساء رقيا وتغيرت موضوعاته وتطورت تدريجياً على مر العصور خلال القرون التالية, ولقي اهتماماً خاصاً خلال العصر الاسلامي من قبل الملوك والخلفاء والأمراء فزينت قصورهم وجوامعهم بمزيج من فنون النحت والحفر والتكسية بالفسيفساء ما خلق فناً متميزاً فيه من السحر والصنعة ما يدهش الألباب ويثيرها. وعاد فن الفسيفساء اليوم للازدهار حيث تواجدت مدارس كثيرة لتعلم اساليبه وتقنياته وزخارفه وزاولت فيه الرسوم ذات الموضوعات الحديثة الى حيز واسع وباتت اللوحات الفنية الحديثة تستخدم في تزيين البيوت والأرضيات والمخازن والمباني والقصور والساحات العامة. غير أن أهم ما سلط الضوء على اهمية هذا الفن عبر التاريخ الاكتشافات المعاصرة التي تمت وتتم في سوريا وايطاليا وتركيا واليونان وتونس والأردن وغيرها.. وساهم علم الآثار حالياً في معرفة اهم المراحل التي مرت بها تقنيات هذا الفن وأهم مدارسه واساليبه والموضوعات التي تناولتها عبر عصوره المختلفة وخاصة العصور الاسلامية الاموية والعباسية والطولونية والفاطمية والأيوبية. [الهوامش: فنون الاسلام: الدكتورة حنان مطاوع عام 2011م, الفنون الاسلامية: الدكتورة سعاد ماهر محمد, تاريخ الفن في العصور الاسلامية: الدكتور عبدالرحيم ابراهيم احمد, الفنون الاسلامية في العصر الايوبي: دكتور عبدالعزيز صلاح سالم, الرسوم الجدارية: الأستاذة نجلاء الرشيد, التواصل الحضاري للفن الاسلامي: الدكتور محمد زينهم]

مشاركة :