الفنون الاسلامية: الجداريات والفسيفساء والزخارف الجصية (6)

  • 7/14/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

* ونتابع بحثنا عن التصوير الجداري الفاطمي: وتظهر إحدى الصور أميراً شاباً يجلس متربعاً على مقعده ويمسك بيده اليمنى كأساً يحتسيه أما يده اليسرى فقد وضعها على وسطه وقد ازدان رداء الامير بزخارف نباتية باللون الأحمر، أما غطاء الرأس فعبارة عن عمامة متعددة الطيات تطوق رأسه. كما يوجد مجموعة أخرى من الصور تغلب عليها الأشكال الآدمية والطيور في أوضاع متقابلة يبدو في رسمها مدى اهتمام الفنان بالنسب التشريحية.. وتجدر الاشارة هنا الى أن بعض الوحدات الزخرفية يظهر فيها مدى تأثر الفنان الفاطمي بزخارف الفن الساساني الذي ظهر في العصر العباسي وكتب له الانتشار على يد الفاطميين الذين شجعوا تلك الفنون التي قام بها فنانو الفرس. * صور في كنيسة باليرمو: لقد ازدهر الفن الفاطمي وزخارفه الجدارية خارج مصر أيضاً, ويدل على ذلك صور الفريسكو في كنيسة (الكابلابالاتينا) الصقلية في مدينة باليرمو وسط الجزيرة التي كانت تحت السيطرة الفاطمية آنذاك حيث احتوت صور الفريسكو في هذه الكنيسة على صور البلاط وصور راقصات وكذلك نمط من الحياة اليومية فضلاً عن صور حيوانات وطيور طبيعية وخرافية. * إشارة لا بد من ذكرها: ينبغي الاشارة هنا الى أن الصناعة والحرف المهنية قد بلغت أوج ازدهارها في العصر الفاطمي، وربما كان ذلك يرجع الى حياة الترف التي عاشها الخلفاء الفاطميون ورجال دولتهم أو قادة جيوشهم, وليس أدل على ذلك من تخصيصهم في وضع خزانة خاصة لشراء المقتنيات التراثية والأشياء المزخرفة الثمينة كما ذكر الباحث ناصر الدين خسرو عند زيارته في رحلته الى مصرنا الحبيبة.. كما يؤكد (العالم ابن ميسور) في استطلاعه مدى شغف الخلفاء الفاطميين واقبالهم المتزايد على اقتناء التحف المزخرفة المصنوعة وغيرها المعمولة يدوياً آنذاك في مصر والولايات المجاورة في الشام وشرق المغرب العربي. * في مجال الزخرفة الإسلامية: ولا ريب في أن الفنان في العصر الفاطمي قد استخدم الزخارف الحيوانية على وجه الخصوص الى جانب الزخارف الهندسية فضلاً عن الزخارف النباتية والأشرطة الأفقية والأحرف العربية الكتابية المكررة وتلك ظاهرة جديدة كما يذكر الباحثون من نوعها في مجال الزخرفة الإسلامية، كما احتوت على أشكال من الطيور والأسماك والفواكه. * لوحة من الفيسفساء: وبالرغم من عدم استخدام الفسيفساء في العمائر الفاطمية وابتعاد الصناع المهرة لاستعمالها في المنشآت العمرانية الا أنه عثر على لوحة زخرفية مغطاة بالفسيفساء من العهد الفاطمي بقصر (الأمير القائم بن عبد الله المهدي الفاطمي) في مدينة المهدية التونسية بين القطع التراثية القديمة. * الزخارف الجصية في الدول الاسلامية: تجدر الاشارة الى أن العرب قبل اعتناق الاسلام قد عرفوا التماثيل المنحوتة التي اتخذوها أصناماً يتعبدون لها ويقدمون إليها القرابين ويتقربون إليها زلفى، فلما جاء الاسلام حرم عبادتها قطعياً وهذا يشير الى أنهم كانوا يجيدون الحفر والنحت على الحجارة منذ زمن بعيد أيام الجاهلية. اما المنحوتات الجصية فقد استخدمها المسلمون كزخارف لتزيين الشبابيك والطاقات وأطر الأبواب فقد عثر على بعضها نفذت بأسلوب تجريدي هندسي مما يعتبر بداية على الفنون الشبيهة بالأرابيسك التي ظهرت في الدولة الاسلامية, وتشير الدلائل التاريخية الى أن المنحوتات الجصية أو الحجرية كانت شائعة الاستخدام من بداية الدول الاسلامية.. لذا استعنا بالبحث الذى قام به الدكتور عبدالرحيم ابراهيم احمد تحت عنوان (العمارة وزخارفها في العصور الاسلامية) والتي تشكل جزءاً من تاريخ الفن الاسلامي العريق. * الزخارف الجصية في العهد الأموي: في العصر الأموي استخدمت مواد مختلفة في بناء المساجد او الجوامع وكانت معظم الجدران تغطى بالرخام (الملاط) والاحجار الملونة، ويعتبر هنا واجهة قصر المشتى الأموي بداية طبيعية لدراسة الزخارف الجصية المحفورة أو مراحل الفن الاسلامي في هذا العصر، وقد تفرع عنه عنصر أو عناصر مما جعلها موضوعاً مبتكراً يسهم في إبراز الجوانب الفنية عند الفنانين المسلمين.. وتوضح الواجهة اليمنى للمبنى عناصر نباتية على هيئة دوائر متشابكة مما يدل على أن هناك توجيهات قد حدثت عندها حتى تتفق مع مبادئ الدين الاسلامي الحنيف ولا يمكن ان تتعداها بسبب حرمتها. * اكتشاف زخرفي معماري: ومن المعروف أن قصر الحير الغربي قد تم الكشف عنه في الثلاثينيات ومن المعتقد ان تشييده كان حوالي (عام 110هـ - 728م) في عهد هشام بن عبدالملك بن مروان، ولقد تأثرت الفنون الاموية في إسبانيا بالنهضة الفنية التي قامت في دمشق العاصمة للفنون التشكيلية مثلما حدث في فن العمارة في النحت على الحجارة والجص والفسيفساء، ومن الأمثلة الواضحة الاسلوب الأموي لمنحوتة لوحة الرخام المنفذة بجانب المحراب الجامعي وقد زخرفت بتفريعات دقيقة قوامها المراوح النخيلية واغصان شجرة الحياة وقد غطت سطوح اللوحة بالكامل مما يوحي باتباع الفلسفة الاسلامية، وبالرغم من بعد المسافات اقتضت الاساليب عدم ترك مساحات الفراغ على سطح العمل الفني. وبالنسبة لزخرفة القصور فالتقاليد كانت سائدة في الشرق ثم انتقلت الى اسبانيا وأقصد الاندلس حيث توضح جوانب من زخارف جصية عثر عليها في قصر الخليفة عبدالرحمن الثالث (الملقب بالناصر) بمدينة الزهراء الأندلسية ترجع الى القرن الرابع الهجري تظهر فيها الروعة والاتقان وتعبر عن الفن الرفيع. * الزخارف الجصية في العهد العباسي: الواقع ان الزخارف الجصية التي ترجع الى العصور الاسلامية الأولى كانت من مصر, وخاصة عصر الولاة من عام 200هـ الى 254هـ وتعد قليلة ونادرة ولكنها تكشف عن أن الاهتمام بزخرفة الجدران قد بدأ مبكراً. وقد استمدت أصوله الاولى من الفنون المصرية قبل العصر الاسلامي ونعني (الفن القبطي) الذى ظل تأثيره باقياً على كافة المنتجات التطبيقية الاسلامية, وكذلك الزخارف الجدارية, وهذا يعني ان التغير السياسي الذي حدث من انتقال مصر من التبعية البيزنطية المسيحية الى التبعية العربية الاسلامية جعل من التغيير عملاً حتمياً. وكانت معظم الزخارف الجصية القليلة قد تم اكتشافها في حفائر الفسطاط التي قام بها العالم الأثري المصري الاستاذ علي بهجت بين عامي (1912م-1919م) فأظهرت عدداً من البيوت والمنازل والنحت الأثري يرجع الى هذا العصر, وتزدان بزخارف جصية قوامها العناصر التي كانت شائعة في الفن القبطي مثل الاشكال الهندسية والصلبان المعكوفة مما يدل على زخرفة الجدران بالجص, ولم تخرج عن القاعدة العامة والتي ترى في شتى الفنون الزخرفية, وتسير على نفس النمط. أما الزخارف الجصية في العصر الطولوني منذ عام 154هـ الى 292هـ فقد تطورت كثيراً وتبين لنا هذه الزخارف أسلوب (سامراء) المعهود على الجص بطرزه المختلفة الثلاثة المعروفة. [الهوامش: الفنون الاسلامية : الدكتورة حنان مطاوع –الاسكندرية عام 2011م, التصوير الاسلامي في العصور الوسطى: الاستاذ حسن الباشا – دار النهضة العربية القاهرة, تاريخ الفن والنحت والتصوير: الدكتور ثروت عكاشة الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1991م, تاريخ مصر القديمة وأثارها: الاستاذ محمد جمال الدين مختار – القاهرة 1987م].

مشاركة :