تابع استخدام الخط النسخي بوفرة: وأما الخط النسخي فقد انتزع الصدارة من الكوفي، وذلك منذ القرن السادس الهجري (12 الميلادي) ومن أقدم الأمثلة على الفنون الجصية المزخرفة هو تابوت الإمام الشافعي -رضي الله عنه- والمؤرخ في (574هـ). وأما على العمائر فنجد النص التأسيسي للمدرسة التي أقامها القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي بجوار مدفن الإمام الشافعي والمؤرخة عام 575هـ، ويليه النص التأسيسي للباب المدرج لقلعة صلاح الدين الأيوبي في عام 579هـ . استخدام التخريم الجصي والمفرغات: وكان استخدام الزخارف آنذاك بالحفر المباشر على الجص وعملية صب القوالب، وطريقة التخريم وتلوين الجص والزخرفة الجصية بالزجاج عن طريق الأدوات اليدوية الحادة مثل المثاقب (المنقر) والأزاميل (المطارق) المستقيم والمستدير والمقاشط (الشيزل) والمدكات الخشبية وسكاكين المعجون والملاقط (المناقيش) لعمل الأحجبة المفرغة. أمثلة للأعمال الزخرفية الفراغية: 1- استخدام الشريط القرآني حول نوافذ جامع السلطان بيبرس البند قداري (665هـ -1266م) والحشوة العريضة في الجهة الشمالية القريبة من الجامع . 2- رباط مصطفي باشا (667هـ - 686هـ - 1267م- 1287م) والحشوة الزخرفية بالإيوان الجنوبي الشرقي. 3- خانقاه آيدكين البندقداري (683هـ -1284م) ومحراب القبة والنص القرآني حول رقبة القبة. 4- قبة الصوابي (684هـ -1285م) والشريط القرآني حول القبة من الداخل وقبة حسام الدين طرنطاي (684هـ -1285م) ورباط احمد سليمان الرفاعي (691هـ -1291م) وزخارف المحراب الكبير وسط المصلى والمقرنصات. 5- قبة الأشرف خليل بن قلاوون (687هـ -1288م) والنص القرآني حول القبة من الداخل. 6- مدرسة الناصر محمد بن قلاوون (703هـ -1303م) وأعمال السلطان لاجين (696هـ -1296م) ومحراب السيدة نفيسة العلم -رضى الله عنها- والنص القرآني حول رقبة القبة بالجامع. 7- محراب الأمير سالار (سلار) بجامع عمرو بن العاص بالفسطاط (702هـ -1302م) والشريط الفراغي في جدران المساكن الصوفية، ومدرسة السلطان حسن (757هـ -764هـ -1356م - 1372م ) ايوان وصحن المدرسة الحنيفية والمدرسة المالكية وغيرها كثير وكثير. طريقة تخريم الزخارف الجصية: تنتشر الزخارف على النوافذ والقباب والمآذن -بحسب الطلب- فتبدو على الجدران، وقد اصطفت متساوية ومتشابهة.. وفي حال عدم التكرار، فتكون لزامًا على الفنان عمل نموذج أثناء استخراج الشباك وتتبع طريقة الصب والقوالب السابقة إلا أن عناصرها تنفذ بالتخريم وقد ظهرت هذه الطريقة من قبل خلال العصر الأموي في جدران ونوافذ قصر خربة المفجر. أما بالنسبة إلى المآذن والقباب فيتم غالبًا تخريج زخارفها في أماكن وضعها فلا يتطلب الأمر هنا عمل قوالب حيث يندر تكرار العناصر الزخرفية لضيق المساحة بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للفنان لإظهار مواهبه الفنية. وتظهر هذه الطريقة في بعض نوافذ جامع الظاهر بيبرس المخرمة ونوافذ القبة الخارجية وفي نوافذ قبة مدرسة قلاوون الخارجية، وفي الفتحات المعقودة المتوجة للحشوة الجصية في ضريح قلاوون في الجهة الشمالية الغربية كما تظهر في زخارف البدن الثالث لمئذنة قلاوون أيضًا. وتظهر كذلك في نوافذ جامع ابن طولون التي ترجع إلى أعمال السلطان المملوكي «لاجين» وفي الواجهة الرئيسية لمدرسة «قرانسقر» بالجمالية عام (700هـ -1300م) وفي زخارف قبة سنقر السعدي (حسن صدقة) 715هـ -1315م وفي نوافذ جدار القبلة بجامع الأمير حسين وأخيرا في نوافذ جامع الأمير قوصون. تلوين الجص المزخرف: هناك أمثلة قليلة تشير إلى استعمال الألوان في الزخارف الجصية على العمارات في العصر المملوكي البحري وتنفذ بطريقة إما بخلط اللون مع المادة الجصية وهي سائلة وإما تطلى الجدران بالألوان بعد زخرفتها على الجدران، وقد عرفت هذه الوسيلة قديمًا في مصر الفرعونية مثل أطلال قصر الملك (أمنحوتب) الثالث في جنوب مصر بمدينة (هايو) بالبر الغربي بالأقصر وكذلك منازل تل العمارنة. وانتشرت هذه الطريقة أيضًا في العصر الإسلامي بشكل موسع، وخاصة في إيران والهند والمغرب والمقاطعات الأندلسية، وأغلب الألوان المستخدمة هي الأزرق والذهبي واللازورد والأحمر والبرتقالي والبيج والأخضر الفاتح والرمادي . ومن الأمثلة التي ظهرت هي تلوين الحشوة المستطيلة التي تعلو محراب قبة أحمد سليمان الرفاعي عام (961هـ -1591م) وزخارف تعلو محراب جامع الطنبغا المارديني عام (740هـ -1340م) والحليات الدائرية التي تتوج جدران إيوان القبلة بجامع أصلم السلحدار عام (746هـ -1345م). استخدام الزجاج المعشق بالجص: وقد شاعت هذه الطريقة في البناء المعماري بالأقطار العربية الإسلامية وخاصة في المغرب والهند والأندلس وبعض جهات إيران، وتتم بوضع كتل من الزجاج على الجدران الزخرفية المجصصة وتتمشى وطبيعة الحروف الكتابية من حيث انحناءاتها واستقامتها ونهاية الحروف وقد غلب عليها اللون الأرجواني المائل إلى الاخضرار والألوان الزاهية. استخدام الزخارف الجصية للزينة: اهتم الفنان المملوكي المسلم بزخرفة قباب الجوامع من الداخل والخارج كثيرًا وخاصة زخرفة الجص في منطقة الانتقال (بين البدن والرقبة) مثال قبة المجاز بالجامع الأزهر الشريف، ومنها الزخارف الجصية البديعة التي تشمل النقوش النباتية المحفورة والأشرطة النصية للقرآن الكريم في المناطق الأيوبية كما الحال في قبة الخلفاء العباسيين، وقبة الملكة شجرة الدر واتصفت بتنفيذها بمزيد من الزخارف الدقيقة والإتقان، وقبة جامع أحمد سليمان الرفاعي وقبة جامع زين الدين يوسف. وتعتبر مناطق الانتقال المهيأة للزخارف الجصية وتتميز بمزيد من الاهتمام في العصرين الفاطمي والأيوبي ويستثنى من ذلك عصر المماليك البحري الجزء السفلي لقبة جامع الإمام الشافعي -رضي الله عنه.. أما بالنسبة إلى زخرفة ظاهر القبة (الخوذة) فاهتم الفنان اهتمامًا بالغًا، فعمل على تنوع زخارفها، ما يضفي على المبنى مزيدًا من الجمال والجلال مثل قبة السيدة نفيسة -رضي الله عنها. مزيدًا من التوازي والثبات للعمران: ونلاحظ أن الزخارف الجصية التي كسيت القباب الأجرية قد اقتصرت على زخارف التضليعات، ومن المعروف أن الأسلوب قد اتسم بالإيقاع الخزفي، حيث يمنح الهيكل قدرًا كبيرًا من التوازي والثبات حيث استخدم الأسلوب المذكور في العصر الفاطمي كما الحال في قبة جامع السيدة عاتكة -رضي الله عنها. والسيدة رقية رضي الله عنها، وقبة يحيى الشبيه وقبة جامع سيدي معاذ -رضي الله عنه . ويتبين لنا مما تقدم أن الزخارف الجصية الجميلة في تنفيذها للعمائر القاهرية منذ العصور الإسلامية الأولى بدءًا من عصر الولاة، ومرورًا بالعصر الطولوني ونهاية بالعصر الفاطمي والأيوبي ثم عصر المماليك البحرية أضفت الزخارف مزيدًا من الجمال والجلال الذي ينتزع الإعجاب ما يفرضه الاحترام والتقدير للفنانين المعماريين الذين بذلوا قصارى جهدهم لإظهار روعة الفن الإسلامي وتطوره مع الأيام، والتي حافظت على مرور الزمن بمظهرها اللائق وحرفيتها الماهرة. والواقع أن الصناع المهرة في النهضة العمرانية والفنية لا يمكن اقتصار عملهم على البناء بقدر ما يمتلكون من موهبة ومهارة وطاقة خلاقة ومنهم المهندس حسن فتحي والمهندس المعماري سنان باشا الكبير وغيرهم، رحمهم الله تعالى. (الهوامش: تاريخ الفن في العصور الإسلامية (العمارة وزخرفتها، (بتصرف): الدكتور عبدالرحيم إبراهيم أحمد، الفنون الإسلامية: الدكتورة سعاد ماهر محمد, تاريخ الفن والنحت والتصوير: الدكتور ثروت عكاشة، تاريخ مصر القديمة وأثارها: الأستاذ محمد جمال الدين مختار- القاهرة -1986م، التصوير الإسلامي في العصور الوسطى: الأستاذ حسن الباشا – دار النهضة - مصر).
مشاركة :