أدوات فن الرقش والتوريق: من الأدوات الأساسية لإنتاج مشغولات الأرابيسك الخشب كالأبنوس والعاج والباغ والصندل ومواد الدهان والتشطيب، ورق الصنفرة، ورق الرسم، منشار الأركيت، إزميل الخرط، الشوكة، الرندة (لخرط اللدائن والعاج والعظم) المنقار، المحفار، البرجل (الفرجار) الكروي لقياس أقطار الاسطوانات والأشكال المخروطية، البرجل المقص لقياس الأقطار الداخلية المجوفة والمخروطية. يوجد الكثير من الرقش والتوريق مسميات قديمة وجديدة أدخلت على هذا الفن العريق إلى جانب أنه أدخل على هذا العمل فن الصدف ويطلق عليه التصديف لتطعيم الصدف لإظهار مزايا الجمال فيه، وقد يطعم أحيانًا بالعاج (سن الفيل) الطبيعي أو العاج النباتي المزروع. مجال العمل الفني للتوريق أولاً: المشربيات: وهي عبارة عن شباك ذي رف يفتح للخارج ويكون في مكان عال من المنزل لوضع جرة الماء وقنينات الشرب الفخارية، وسبب المكان العالي من أجل التبريد عن طريق مرور الهواء ولهذا سميت مشربية في أوقات الصيف أو اعتدال الجو الربيعي. ثانيًا: المشرفية؛ وهي شباك يطل على الشارع أو على الحارة، وله باب قلّاب يفتح على الربع أو على نصف أو كامل، وماسمي بالمشرفية، إلا لأنه يشرف على الشارع أو يطل عليه، وتستخدم لمنازل الأثرياء الذين يستطيعون دفع تكاليف هذا العمل الفني العريق. ثالثًا: المرافع؛ المرافع عندهم كثيرة، وأسماؤها كثيرة، وسميت مرافع لأنها مرفوعة عن الأرض وتوجد داخل المنزل ليكون له سقف عالي وتوضع على الحائط وتحفظ فيها أشياء خاصة بالمنزل. رابعًا: يستخدم الرقش لجانبي المنابر وبعض الطاولات أو الخزانات الخاصة بملابس أفراد الأسرة. ازدهار فن الرقش إسلاميا وقد ازدهر فن التوريق مع عهود الإسلام الأولى، وخاصة في العصر العباسي فتميزت الأعمال الفنية التي أبدعها الفنانون المسلمون في تلك الفترة بخلوها من رسوم الكائنات الحية البشرية أو الحيوانات، وغلبت عليها الأشكال ذات الطابع الزخرفي والخطوط المحفورة ورسوم النباتات والأزهار، وروائع الحكم الإسلامية والشعر العربي البليغ والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة. وتعتبر رسومات الترقيش الشهيرة في قرطبة وقصورها وجوامعها إلى جانب قصر الحمراء في مدينة غرناطة لسلاطين بني الأحمر النصريين في الأندلس الإسبانية من روائع التحف البديعة التي لا تتكرر سوى مرة واحدة حيث زينت الجدران والأعمدة وتيجانها بلوحات متصلة وعملاقة من الأرابيسك، وفي أصفهان الإيرانية تعتبر (القبة الزرقاء) لجامع الشاه المبني بين عامي (1611-1637م) من روائع الأمثلة لفن الأرابيسك المبني بالقرميد اللامع الفريد ! ويعتبر فن التوريق على تداخل الخطوط والموتيفات الفنية الإسلامية مثل النباتات والورود والأوراق والكروم والفواكه وأوعية الزهور حيث يغلب على معظم الأعمال الطابع الزخرفي والخطوط والحفر وشتى الأشكال الهندسية، وتتكرر بأشكال متشابهة ولا نهائية، فنهاية جزء من الرسم هو بداية جزء آخر! ولهذا يعتبر التوريق فنا عالي الرمزية يتحدى النهاية لأنه دائم الولادة والحياة ورمز البقاء والخلود في الأشكال الفنية، وكأن هناك خوفا من الفراغ، وبتكرار الرسوم وتقاطعها يخلق الفنان إيحاءات بصرية بالعمق وثلاثية الأبعاد فيما هو في الحقيقة جسم مسطح أحادي البعد. إضفاء الألوان في فن التوريق: وتضفي الألوان العديدة التي يستخدمها فن الأرابيسك سحرا خاصا يميزه عن غيره من الفنون السائدة حيث تظهر فيه جماليات الزخرفة وتكرارها وبراعة الخطوط، وإبداع خطاطيها، والرسوم الرشيقة والفطرية، وذلك لكون فن الأرابيسك يشمل فنونا مساندة كالحفر والبروز والرسم والتعشيق والنقش والتطعيم والخطوط العربية المأثورة. ويعتمد فن الرقش والتوريق على ذوق الفنان الفطري الذي يبدع أشكالاً هندسية متداخلة ومتقابلة ومتنافرة تحتاج إلى الكثير من الصبر والدقة والمهارة والتركيز وعلى سبيل المثال نجد حاليا في (حي الجمالية) في مدينة القاهرة وفي سوريا في أحياء دمشق القديمة عددًا من الفنانين المبدعين الذين مارسوا أعمال الرقش والتوريق منذ سنين عديدة. وتبرز في فن الأرابيسك روعة الفنون الإسلامية بأشكالها المتنوعة وانسجامها وتوافقها مع واقع البيئة الحضارية العربية الإسلامية آنذاك. وهو يعبر في أشكالها المتنوعة عن الطبيعة الثقافية والحضارية للأمكنة التي ينتج فيها، وتستفيد من العناصر الطبيعية الموجودة في تلك البيئات وتأصيل هذه الحرفة العريقة. تأثير الأوروبيين بالأرابيسك وقد ولع الأوروبيون بخطوط فن الأرابيسك، وتأثروا بها، ولعل أحد أشهر الأمثلة يأتينا من عصر النهضة الأوروبية ما استخدمه الفنان (فيروشيو) في تمثاله الشهير «لدافيد» كتابات تغطى رداءة مكتوبة بما يشبه الخط الكوفي بتداخلات أرابيسكية، وبالطبع فإن هذه الكتابات ليست عربية وبلا معنى بل هي مجرد تقليد للشكل الكتابي العربي الكوفي وأطلق عليه مسمى «الكوفيسك»، وتظهر حتى في ديكورات العصور الوسطى الفرنسية والإنجليزية وهذه الأنماط المشابهة. ولكن المثير في الأمر أن الفنانين الأوروبيين نجحوا نوعًا ما في نقل عبارات صحيحة في عملهم ولعل أكثرها نقلاً كما أكد المؤرخ والناقد الأدبي البريطاني المعاصر (روبرت ايروين-R.IRWiEN) كما في كتابه (الفن الإسلامي) هو عبارة التوحيد «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله». واجهة قصر المشتى الأموي يعرض في برلين في القرن الثامن الميلادي تباهى الفنانون الأمويون ببراعتهم في فن التوريق والرقش ويقال إن من أجمل أمثلة فن الأرابيسك ما صمم ليغطي واجهة جدار قصر المشتى الأموي الذي على الأرجح أنه بني بأمر الخليفة الوليد بن يزيد ليكون مقره الشتوي، ووجدت آثاره المنقولة الباقية فيما هو اليوم جزء من صحراء الأردن، ولمن يزور اليوم متحف «برجامون» الألماني في مدينة «برلين» يمكنه رؤية أجزاء في قصر المشتى معروضة بصفة دائمة في الجناح المخصص للفن الإسلامي. ويقال إن القطع الموجودة من قصر المشتى مهداة إلى الإمبراطور «وليام الثاني» من قبل السلطان العثماني عبدالحميد الثاني وتوجد في المتحف نفسه الحجرة الحلبية تزدان بنقوش صارخة وألوان جريئة وهي تعود إلى العصر العثماني، وهناك قطع أثرية تعود إلى القرن الثامن الميلادي وإلى القرن التاسع من جميع أنحاءالعالم الإسلامي من عدة بقاع (من إسبانيا والهند وسوريا والعراق) ويستدل على أروع ما قام به الفنانون المسلمون من فن التوريق والرقش الإسلامي الذي يخلب الأفئدة في المتحف المذكور. كما تظهر بوضوح رسومات رقشية من القرن الثامن الميلادي بقوة كما هو الحال في جامع بني أمية الكبير في دمشق، ونراها على هيئة موزاييك مبهر بالألوان البديعة وتداخلات معقدة رائعة، ورغم التأثيرات البيزنطية على فلسفة البناء فيه فإن المسجد الكبير بموتيفاته التوريقية يعتبر أحد أهم وأقدم الأمثلة الفنية المعمارية التي خلقها المسلمون لهذا الفن ولقد زرت الجامع في الماضي وشدت انتباهي دقة الصناعة الفنية ومهارة العمل العريق والذي يظل خالدًا لأجيال قادمة للعرب والسائحين الأجانب الذين يقومون بزيارة الجامع في كل حين. [الهوامش: الأرابيسك فن ورموز: الأستاذة أحلام محمد علاقي، الأرابيسك صناعة إسلامية تبحث عن منقذ، الباحثة بسمه على – شبكة الإعلام العربي، الأرابيسك يعيد خان الخليلي إلى زمن الأندلس والفاطميين: الأستاذ معتز عبدالمنعم -القاهرة -الموقع الشرق الأوسط].
مشاركة :