«من وحي الإسلام»: الفنون الإسلامية: الجداريات والفسيفساء والزخارف الجصية (5)

  • 7/7/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

* الزخارف الجصية في العصر العباسي: استخدام الجص في زخرفة الجدران وكان هذا من معالم الحضارة العباسية في مجال العمران حيث كان يتم فيه كسوة السطوح أولاً ويتم تفريعه بحسب الطراز السامرائي من أجل إظهار أشكال نباتية معقدة، وقد انتشر هذا الطراز وعم جميع أنحاء الولايات الإسلامية ويمكن نسبة استخدام الزخارف الجصية إلى الساسانيين الذين زخرفوا قصورهم بزخارف بارزة. ولعل انتشار كسوة الجدران بالزخارف الجصية المصبوبة يرجع إلى شيوع استخدام القوالب في سامراء وأشهرها الوزرات الجصية في قصر الجوسق وبلكوارا التي عرفت على طرزها الثلاثة وهي: أولاً: تميز العناصر النباتية إلى طبيعة كيزان الصنوبر وأوراق العنب. وثانيًا عناصرها إلى أشكال اللفائف. وثالثًا: عناصر الزخرفة التجريدية بحيث بعدت فيه العناصر النباتية وخصائصها. وأما الزخارف الحجرية فكانت قليلة الاستخدام في العصر العباسي، أما زخرفة الحجارة فقد انتشرت خارج العراق عن طريق الإيرانيين والأتراك والسلاجقة الذين وصلوا إليها فيما بعد! * المنشآت الدينية – جامع ابن طولون: لعل من أهم وأجمل الزخارف الجصية التي شاعت في العصر العباسي ظهرت في مواضع عديدة في جامع أحمد بن طولون والذي بدأ فيه التأثر الشديد بطرز سامراء الثلاثة المعروفة والتي نقلها ابن طولون إلى مصر عند قدومه إليها وقد استمدت عناصرها من الأشكال الهندسية والنباتية والنقوش الكتابية وكسوات الجص تتركز فيما يلي عند مشاهدتها: أ- بوائك الصحن: فبوائك الصحن مزخرفة من جوانبها الأربعة بالجص المزخرفة بإطارها المثمن المحفور حفرًا عميقًا، ووزعت تلك الصور حول الطاقات التي تعلو الدعائم وتتميز بأوراقها الزخرفية المدببة والمستديرة! ب- تشبيكات النوافذ: تميزت التشبيكات الجصية بزخارفها المفرغة على أشكال هندسية بينما تدور حول الطاقات زخارف نباتية قوامها أوراق شجر مدببة من أعلاها. جـ - أفاريز العقود: تحيط بعقود الجامع كسوات جصية يغلب عليها العنصر النباتي وقوامه السيقان المتشابكة اللولبية على شكل الحرف (S) على نسق زخارف سامراء كما ذكرنا وهي جميلة المنظر وأنيقة المظهر ورقيقة المخبر! د- جوانب السقوف: توجد كسوات جصية تدور تحت السقف قوامها زخارف نباتية محفورة، وتميزت بأوراق نباتية بأقطارها المحزوزة عموديًا يتوسطها نقط محزوزة عميقًا في الجص. * التصوير الجداري بالألوان: لقد ندر في العصر العباسي التصوير الجداري المنفذ بطريقة الفسيفساء بينما يظل التصوير المائي الفريسكو هو الغالب عليها وخصوصًا جناح الحريم بالجوسق الخاقانى بسامراء وقد رسمت بطريقة مبتكرة وبديعة ملفتة للأنظار. * صور بجناح الحريم بالجوسق الخاقاني: أسفرت الحفائر الأثرية التي عثر عليها في مدينة سامراء العراقية عن مجموعة من الصور المختلفة المنفذة عن طريق الفريسكو وقد تميزت بتنوع كبير في موضوعاتها الفنية فهي تمثل صورا آدمية تزاول الحركات الرياضية والرقص وألعاب الصيد والمبارزة داخل جامات مربعة ومثمنة إلى جانب نساء يقمن بالعزف على الآلات الموسيقية كالقيثارة والأعواد والمزامير إلى جانب أشكال للطيور وبعض الحيوانات وزخارف نباتية، وقد وضعت عدد من الصور داخل جامات مستديرة أو مربعة يحيط بها إطار زخرفي تشبه حبات عقد اللؤلؤ المنظوم! * التأثير الفارسي على التصاوير: ويبدو أن التأثير الفارسي هو الغالب على تلك التصاوير حيث يظهر أسلوب جديد في فن التصاوير ويمتاز بألوانه الزاهية حيث يختلف عن الاسلوب الهيليني الذي عولجت به صور قصير عمرا في الصحراء الأردنية، حيث اعتمد الفنان العباسي هذه المرة على تحديد العناصر مستخدمًا اللون القاتم حيث يملأ بها شتى المساحات بالألوان الأخرى، كما تظهر نساء قصر الجوسق بسامراء وهن يظهرن بوجوههن الصبوحة المستديرة والممتلئة وعيونهن اللوزية ذات الحدقات الواسعة، وأنوفهن المستقيمة الشبيهة بحد السيف، وشعورهن المنسدلة وحللهن القشيبة المطرزة. ومن أكثر صور الفريسكو وأهمها هي صورة عثر عليها في قاعة القبة بجناح الحريم الجوسقي تمثل راقصتان في وضع متمايل الحركات وبينهن يوجد طبق مليء بأشهى الفواكه، والظاهر أن هذه الصور المنمقة جاءت في وقت بعيدة عن مظاهر التشدد الأسري والتحفظ الديني مما دفع الرسام إلى التمادي في التعبير! * صور الفريسكو في نيسابور: بعد قيام متحف المتروبوليتان في نيويورك بحفائر أثرية في نيسابور فقد كشفت عن صور جدارية بالفريسكو من القرن الثاني والثالث الهجريين وهي تنقسم إلى قسمين، إحداهما ذات لون موحد والثانية عبارة عن رسوم متعددة الألوان تنم عن الذوق الفني الرفيع. ويغلب على هذه المجموعات الصور الآدمية من رجال ونساء تمثل موضوعات الصيد والرقص إلى جانب صور المزهريات استخدمت فيها الألوان الأسود والأبيض والأزرق والأحمر بدرجات متفاوتة. * الزخارف الجدارية في العصر الفاطمي: من المعروف أن الفاطميين في مصر والشام وشمال إفريقيا كان لهم نشاط معماري خلال تلك الحقبة التي ظلوا في الحكم، ويشهد على ذلك ما تركوه من آثار عمرانية دينية وزخارف في كثير من مختلف المنشآت كجامع الأزهر الشريف، وجامع الحاكم بأمر الله الفاطمي بمصر القديمة وجامع الأقمر الذي يعد تحفة للفن والعمارة الفاطمية وجامع الجيوشي والصالح طلائع والتي لفتت أنظارنا إليها بزخارف وواجهات ازدحمت فيها الزخارف الهندسية والنباتية فضلاً عن النقوش الكتابية أو أشكال الكائنات الحية التي ظهرت على بعض القطع الأثرية التي عثر عليها في بعض المباني المدنية بعد عمليات الحفر والتنقيب. * تنوع الزخارف الفاطمية: لقد تنوعت الزخارف الجدارية المنحوتة في العصر الفاطمي ما بين منحوتات حجرية وأخرى جصية، إما من الحجر فمن أهم الأمثلة هو لوح عثر عليه في مدينة المهدية التونسية تمثل أميرًا جالسًا متربعًا على مقعده الوثير، وفي يده اليمنى كأس يحتسي العصير وأمامه فتاة شابة تعزف على مزمار ويوجد هذا اللوح محفورًا من الحجر محفوظا في متحف (باردو) بتونس العاصمة. وتتجلى الزخارف الفاطمية في زخارف بوابة جامع الخليفة الحاكم بأمر الله ومئذنتيه وتُظهر مدى الإتقان والدقة في النحت على الحجارة في العصر الفاطمي حيث توجد تكوينات زخرفية من فن التوريق العربي الإسلامي الأرابيسك وبعض تكوينات من السيقان النباتية المتقنة حيث غلب على الزخارف الطابع الهندسي وقصرت على بعض المراوح النخيلية داخل مربعات أو مستطيلات محفورة جصيًا. * الزخارف والأعمال الجصية الفاطمية: أما الأعمال الجصية فقد استخدم الجص على نطاق واسع في تكسية العمائر الدينية، ويظهر في مدى تأثر الفنان بالطابع الطولوني في بداية الأمر ثم اتجه الفنان إلى الفن الفاطمي البحت مع الزمن، ففي مجال الزخرفة تظهر على سبيل المثال: الزخارف الجدارية في رواق القبلة من الجامع الأزهر الشريف غير أن الفنان قام بشكل خاص برسم السيقان النباتية والكتابة التي استخدمت الخط الكوفي المزهر (أو المشجر) على الجدران وأسطح المباني. ولا نبالغ إذا قلنا إن الخط الكوفي المزهر كاد ينتشر على أغلب العمائر الفاطمية في مصر كما هو الحال في جامع الحاكم وجامع الصالح طلائع أما للزخارف الهندسية فعمل الفنان الفاطمي أجمل النماذج في تشبيكات النوافذ الجصية، والجصية المعشقة بالزجاج والنقوش المحفورة على الطاقات. * التصوير الجداري الفاطمي: ويعتبر الرسم بالفريسكو (FRESCO) هو أسلوب الزخرفة الجدارية في مصر عن الدولة الطولونية ويشهد على ذلك تلك الصور الجدارية في حمام فاطمي (بجوار أبي السعود) محفوظة حاليًا في متحف الفن الإسلامي مؤرخه (ما بين القرن الرابع والخامس الهجري) أي 10 الميلادي – 11 الميلادي. «الهوامش: تاريخ النحت والتصوير: الدكتور ثروت عكاشة، القاهرة عام 1991م، العمارة والفنون في دولة الإسلام: الأستاذ سعد زغلول عبدالحميد – الاسكندرية، الفنون الإسلامية: الدكتورة حنان مطاوع (بتصرف) الاسكندرية عام 2011م، المواعظ والاعتبار والخطط: تقي الدين المقريزي القاهرة – 1853م، الكامل في التاريخ: أبو الحسن علي ابن الأثير، بيروت 1987م».

مشاركة :