يعتبر فن الأرابيسك من الفنون العربية الأصيلة لدى بعض الدول العربية حيث يطلق عليه زخرفة التوريق وفنون الرقش لأنه واحد من الفنون المبتكرة التي تميزت بها الحضارة العربية الإسلامية والذي تعود أصوله إلى أكثر من ألف عام وهو صناعة معمارية الطابع تدخل في مجال الأثاث بطرزه الإسلامية المختلفة الأشكال والاستخدامات، وتمتد لتصل بالتكوينات المعمارية الخاصة بالمساجد والقصور بالإضافة إلى الأعمدة وتيجانها ومنابر المساجد المشغولة بشكل متكامل بهذا الفن. وقد بدأ فن التوريق من قديم الزمان أيام الدولة العثمانية، وتطور انتشاره إلى بعض الدويلات العربية عندما نقلته الدولة العثمانية إلى غيرها ويذكر بعض الباحثين المتخصصين أن فن الأرابيسك أصلاً من الفنون التركية العثمانية التي تمركزت في مصر وسوريا والعراق وعدد من دول المغرب العربي ويرجع لفظ أرابيسك إلى المعنى التركي (أرابيسك) وتعني الفن المشغول لدى العرب وقد تطور من دولة إلى أخرى على مر السنين، ودخلت عليه بعض التعديلات والمسميات في القرن السابق ويعتبر هذا العمل اسما للفن وليس اسم أداء العمل! * إدماج العلوم بأساليب الفنون: لم تكن أشكال الأرابيسك الهندسية (ARABESQUE) تستخدم على نطاق واسع في الشرق الأوسط أو حوض البحر المتوسط حتى ازدهر العصر الذهبي للإسلام ازدهارًا كاملا ففي هذا الوقت كانت النصوص القديمة في الرياضيات اليونانية والإغريقية وكذلك الرياضيات الهندية تترجم إلى اللغة العربية في بيت الحكمة التي كانت بمثابة مؤسسة للبحوث الأكاديمية في بغداد ومثل ما حدث مع أوروبا في وقت لاحق مع عصر النهضة الأوروبية فإن إدماج مجالات الرياضيات والعلوم والآداب والتاريخ وحقنها في العالم الإسلامي أدت إلى انعكاسات إيجابية عظيمة أوجدت إنجازات علمية في بناء الحضارة الإنسانية. فكانت أعمال العلماء القدماء مثل أفلاطون وإقليدس وبراهما غوبتا تقرأ على مستوى واسع بين المتعلمين، وتم تطوير هذه الأعمال لحل المسائل الرياضية التي نشأت نتيجة الحاجة إلى تحديد وسمت القبلة وأوقات الصلوات ورمضان فوردت أفكار كثيرة جديدة وصارت بمثابة دفعة قوية للفن الذي أصبح فن الأرابيسك. ومن هذه الأفكار المبتكرة أفكار أفلاطون التي توضح وجود واقع منفصل مثالي في الشكل والوظيفة وبلوري في الطابع الهندسي الإقليدسي التي طورها العالم العباس بن سعيد الجوهري الذي عاش بين عامي (800-860 الميلادية) وذلك في تعليقه على عناصر إقليدس هندسة «ارياباتا» وبراهما غوبتا «التي أضاف إليها العالم محمد بن موسى الخوارزمي (780-850 م) تطوير الهندسة الكروية من قبل العالم أبو وفاء البوزجاني (940-998 م) وعلم المثلثات الكروية للجياني آنذاك (989-1079م) لتحديد اتجاه القبلة ومواقيت الصلوات ورمضان، وليس غريبًا أن تكون الفنون سلسلة من الأشكال الهندسية المتعارف عليها بعد عملية البحث والتحليل. يصف الباحث (ايتنجهاوسين) الأرابيسك «بأنه تصميم نباتي يتكون من نخيلات كاملة أو نصف كاملة في نمط مستمر لا ينقطع حيث تنمو ورقة من طرفه الآخر».. وبالنسبة إلى المسلمين فإن الأرابيسك يرمز إلى وحدة الإيمان والطريقة التي تنظر بها الثقافات الإسلامية التقليدية إلى العالم. * فلسفة ومنهجية فن الأرابيسك: حكم هذا الفن بتطبيق منهجية يجرى فيها استخدام رسوم وتصاميم تظهر بصورة تكريرية للأشكال الهندسية النباتية المتعانقة بشكلها المبسط أو بإرجاع تلك الأشكال إلى وحداتها الهندسية الأولية، بصورة تغلب فيها روح الزخرفة التي تسيطر عليها التجريد من دون أن تكون جافة، بل تتمتع بالكثير من الحيوية والمرح والتفاؤل. إن اختيار أي من الأشكال لاستخدام هذه الزخارف والتزيينات وتوضيحها يعتمد على «توجه صوفي» ليس ببعيد عن تكريس الرؤية الإسلامية للعالم، حيث إن تلك الأشكال تعبر مجتمعة عن نموذج لانهائي للكون والعالمين بما يتسق مع لا محدودية للخالق عز وجل الذي أبدع كل شيء، كما لا نهاية الأشياء تمتد إلى وراء العالم المادي المرئي وهنا العالم للمسلمين هو عالم إسلامي لا مراء فيه ولا شك ولا ارتياب! ثم بوجود الواحد الأحد عز وجل، بل أكثر من ذلك يرون أن فنان الأرابيسك المسلم ينقل في عملية روحية شكلانية تصعيدية من دون أن يستخدم الأيقونوغرافية (ICONOGRAPHY) الصورية التي نجدها مستخدمة في الفن المسيحي والمتمثلة بالأيقونات (ICONS). * العناصر الزخرفية المستعملة في الأرابيسك: إن هذا الفن يتسم بأسلوب تزييني محكم يمتاز بأشكال مخروطية ومزدوجات متداخلة أو مضفورة محكمة ومتناهية الدقة، وهي ممزوجة بوحدات زخرفية من الغروتيسك (GROTISQUE) حيث تتداخل فيه الأشكال الحيوانية والإنسانية أو الرمزية، والتوريق وهو رسم أوراق وأزهار وأغصان النباتات فتعبر بذلك عن الغرض المطلوب. وقد ارتقى استخدام الأشكال الهندسية في الفن التزييني العربي أكثر من أشكال المجسدات المعروفة (FIGURATIVE FORMS) وربما كانت تلك التحديدات قد فرضت تحت وقع التشدد الديني في منع استخدام تجسيد المخلوقات والكائنات الحية حفاظًا على صفاء العقائد الدينية عند اتباع الديانة الإسلامية من عرب وشعوب أخرى مختلفة من المسلمين. * عملية جلب الفنانين كانت قسرية: وظهر فنانو العرب لعمل الأرابيسك في مصر والشام الذين تم إيفادهم إلى مدينة اسطنبول التركية في القرن التاسع عشر الميلادي لتزيين قصور السلاطين العثمانيين، ويروى أن عملية جلب الحرفيين المسلمين كانت قسرية حتى إن بعضهم اشتهر في فن التوريق والرقش وروعة الفنون الإسلامية الأخرى بأشكالها المتنوعة، وانسجامها وتوافقها مع واقع البيئة الحضارية العربية الإسلامية. كما تعبر في أنماطها المختلفة عن الطبيعة الثقافية والحضارية للأماكن التي أنتجت منها وإلى ميول الطبقات الاجتماعية التي كانت تستخدم هذه المهنة في تزيين أثاثها وبيوتها وقصورها لم يعودوا إلى بلدانهم بعد إنجاز عملهم مرة أخرى فكانوا بمثابة «أسرى فن» واستحبوا الإقامة فيما بعد! * صناعة التوريق والرقش: وتمر عملية الإنتاج بعدة مراحل تبدأ بإعداد الرسومات الهندسة للأجزاء المطلوب خرطها، واختيار نوع وحجم الخشب - الأبنوس والعاج ومواد التشطيب ثم التثبيت على جهاز المخرطة، وطبع التصاميم على الأخشاب والحفر والتشكيل وأخيرًا الدهان لأن الأرابيسك صناعة وفن في وقت معًا رسم متقن وتعشيق القطع ونقشها وتطعيمها بطرق متوالية ومتتامة. (الهوامش: فن الأرابيسك: ستارتايميز، الأرابيسك فن ورموز: الأستاذة أحلام محمد علاقي- صحيفة عكاظ، الأرابيسك فن هندسي عربي أصيل: الأستاذة شيرين رمضان، الأرابيسك آلة زمن تنقلك للعصور الإسلامية: الموقع الوطني، فن الأرابيسك إبداع إسلامي قديم: الأستاذ خليل العلي ديسمبر 2015م)
مشاركة :