وهج الكتابة.. سارق النار!

  • 8/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في قصيدتهٍ العظيمة «بروميثيوس» يَحكي الشاعرُ الألماني يوهان غوته حكاية سارق النار الإلهية (بروميثيوس ) الذي أحبَّ البشر كثيراً وسرق النار من جبل الأولمب وأعطاها للإنسان لكي يتمكن من طهي طعامه ويشعر بالدفء ويحتمي من برد الشتاء القاسي: استُرْ سماءَكَ، يا زُويوس بسَديمِ السُّحبِ! مارِسْ هِوايتَك، مثلَ طِفلٍ يقطَعُ رؤوسَ نباتِ الحَسَدِ، في أشجارِ البلوطِ وفي أعلَى القِمَم! لكن عَليك أن تترُكَ لي أرضِيَ قائمةً، وأكوَاخِي، التي لم تُشِّيدْهَا أنتَ، وموقِدِي، الذِي تحْسُدني أنتَ علَى جَمرِه لست أعرفُ أفقرَ مِنكُم تحتَ الشمسِ، أيتُها الآلهة علَى نحوٍ تعسٍ تَطعَمُ من ضَرائبِ القرَابينِ وأنفاسِ الصَّلواتِ جلالَتُكُم ولكم كان يَنالُ منكُم الفقرُ، لو لَم يكنْ الأطفالُ والمتسوّلونَ حمقَى مفعَمينَ أمَلاً .... أسطورة بروميثيوس تركت صداها القوي في التراث الإنساني وفي الثقافة العالمية. بروميثيوس ضحى بحياته ليحيا أبناء أثينا، رمى بنفسه في أتون النار ليهدي إليهم شعلة المعرفة. وفي قصيدته الأسطورية، يقول الشاعر الإغريقي «هسيود» إن زيوس (اب الآلهة والبشر عند اليونان) كان يخشى أن يرتقي شعب أثينا بعد نيلهم شعلة المعرفة، فقرر أن يشغله بما يحول دون ارتقائه، فسرعان ما طلب من الحداد هيفاستوس أن يصنع عدداً من النساء، وزعت عليهن كل المزايا الحسنة ماعدا «هيرميس» التي ميزّها بالكذب والقلب المخادع. اطلق زيوس على هيرميس اسم «باندورا» واعطاها صندوقاً ثميناً اودع فيه كل الشرور ثم اهدى هذه المرأة الفاتنة الى ابيموثيوس الذي افتتن بجمالها على الرغم من أن أخاه بروميثيوس حذره منها، في اليوم الثاني جلست باندورا وفتحت الصندوق فجأة، لتنطلق منه الأوبئة وكل انواع الشرور لتجتاح أثينا، ذلك أن زيوس كان يريد أن تنفرد الآلهة بامتلاك المعرفة وألا يقوم بروميثيوس بتعليم أبناء أثينا الزراعة والقراءة والكتابة والحساب وكيف يصنعون النار لصنع الأدوات للحماية وقطع الأشجار. وبعد أن قامت «باندورا» بنشر الشر وأطفاء النار الأبدية، عاد أبناء أثينا إلى الحياة البدائية، بعد أن خسروا كل ما اكتسبوه من حب بروميثيوس لهم، وما عاد بإمكانهم ممارسة أعمال الزراعة والحدادة والنجارة والبناء من دون النار، ولا صناعة السلاح للدفاع عن أنفسهم، فالتجأوا الى ظلام الكهوف. شعر بروميثيوس بحزن عميق على ما آلت اليه الأمور فناشد اخاه زيوس ان يعفو عنه ويسمح بالنار، لكنه رفض، وحكم عليه بالعذاب الأبدي حيث أمر بربطه الى صخرة بالسلاسل ثم أطلق نسراً متوحشاً ليلتهم كبده في النهار، وفي الليل ينمو الكبد لينهشه النسر في النهار. تمر الأيام والسنوات والنسر يعذب بروميثيوس إلى أن حضر هيركليس ابن الإله زيوس والبشريه المعروف بقوته الخارقة ليسحب منه الروح الى الأبد. تأثر الشعراء والمثقفون العرب بهذه الأسطورة الخالدة، وكتب الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي قصيدة «هكذا غنّى بروميثيوس»: سأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّـاءِ أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً بالسُّحْبِ والأَمطار والأَنـواءِ لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيبَ ولا أرَى مَا في قَـرارِ الهُوَّةِ السَّوداءِ وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعرِ حالِماً غرِداً وتلكَ سَعادةُ الشعَراءِ أُصْغي لمُوسيقى الحَياةِ وَوَحْيِها وأذيبُ روحَ الكَوْنِ في إنْشَائي وأُصيخُ للصَّوتِ الإِلهيِّ الَّذي يُحْيي بقلبي مَيِّتَ الأَصْـداءِ وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني عَنْ حَرْبِ آمـالي بكلِّ بَلاءِ: لا يُطْفِئُ اللَّهبَ المؤجَّجَ في دمي موجُ الأسى وعواصفُ الأَرزاءِ فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخرة الصَّمَّاءِ .... Alqaed2@gmail.com

مشاركة :