لا التفت لتلك الصور المنمقة التي يلتقطها أحدهم باستخدام المؤثرات البصرية،لا يغرينى الزي المهندم ولا المطعم الفاخر ،افتقد كثيرا تلك الصور التى يضمها ألبوم الصور، أحن لتلك اللقطات التى أخذت دون ترتيب، أشتاق لتلك الصورة العائلية التى يتوسطها الجد والجدة ويلتف حولهما الأبناء، بينما ينشغل الأحفاد باللعب، فيظهر كل منهم عبثا، مما تصبح مصدر بهجة للجميع عندما يشاهدونها، و تؤول بعد ذلك إلي ذكري لموقف طريف يذكرهم بيوم التجمع الذي شمل الصغير قبل الكبير أشتاق لتلك الصور التى يلتقطها الأهل سهوا علي شاطيء البحر، فابتسم عند استعيد تلك الذكريات.أنا أنتمى لعالم الصور المشوشة، التى يظهر بها البعض غير واضح الملامح أنا أميل لتلك الكاميرا التى كنا تنتظر تحميض فيلمها بفارغ الصبر، أنا من ذلك الجيل الذي يتهافت علي الصور حينما يلمحها علي الطاولة دون أن يخبره أحد بأنها أصبحت جاهزة للمشاهدة،وكيف ننسي تلك الصورة التى كانت رمز للعطلة الصيفية!!! ،حينما كنا وقتذاك في قيظ العام الدراسي ننتظر علي -أحر من الجمر- العطلة التى تليها حتى نلتقط صورة جديدة، أنا من جيل عندما كان يري الصورة يتذكر تفاصيل اليوم كاملًا، أما الآن فبمجرد أن يعطي الهاتف ضوءا بإنتهاء إلتقاط الصورة ،يبتعد الإثنان عن بعضها البعض، وحينما تنتهي النزهة يذهب كلاهما إلي بيته ليفتح جهازه ليحملّها علي صفحته الشخصية، كاتبا إلي صديقه أشعارا في حبه له، فإذا مرت الصورة أمام عين أحدهما بعد مرور عام لن يتذكرها أيا منهما. انفضوا الغبار عن ألبومات الطفولة و افتحوا أدراج الحنين لتتنفس من جديد، فتدب بها الحياة حينما تقلبونها يمنة ويسرة. فلتدمع أعينكم حينما تتذكرون تلك الحياة البسيطة التى خلت من المظاهر الخداعةَْ، لأنها كانت مليئة بالسعادة والعفوية التى اختلسها الهاتف النقال منا دون أن نشعر به، مما جعلنا الآن نعض علي أناملنا ندما.لا تستهوينى تلك المعايدة التى تظهر لي عندما أفتح صندوق الرسائل الإلكترونية، لا تغويني تلك الكلمات التى أعيد قرأتها في كل مرة عندما يحين اقتراب المناسبات والأعياد ذاتها،ولكن يغرينى أن نعد ترتيبا مسبقا لذلك اليوم قبل مجيئه بأيام ،وما سوف نقوم به عندما نتقابل في اليوم الموعود، وكيف سنقضي الليلة التى تسبقه في لهو ولعب، بينما نقضي الليلة الموالية له في تنظيف وترتيب ،وإعادة الأمر إلي سيرته الأولي استعدادا للمغادر بعدما أن نكون حددنا موعد للقائنا القادم.أبغض تلك المحادثة الإلكترونية، وأنفر من التطورات التى لحقت بها مؤخرًا،فتجاوز الأمر من محادثة كتابية إلي محادثة مرئية ومسموعة. أكره سماعة الأذن ، وكاميرا الفيديو التى تلحقان بجهاز الكمبيوتر واللاب توب،لم أعد أحتمل كلمات مرصوصة، و علامات ترقيم، افتقدت كثيرًا اللقاء الذي أسكب فيه مشاعري، أتوق إلي لغة العيون التى تٌمكنى من البكاء سواء كانت فرحا أو حزنا ،يرضينى أن تكون دموعا مما آلم به طالما سأجد من يشاطرنى تلك الآلام. لا تعجبني فكرة أن نختزل مشاعرنا في ايموشنات، ونقدم التعازي في تعليقات ،ونهنيء أصدقائنا في منشورات،كيف نكتفي بالمباركة علي الإنترنت ؟!.كيف يمر يوما سعيدا لأحدنا دون أن نشاركه فرحته؟!،كيف تستهين بحزن أحدهم ونظن أن كتابة كلمة في تعليق ستفي بالغرض. بمرور الوقت ستصبح الكلمات في طي النسيان، ولن يتذكر أحد تعليقك علي الحدث، ولكن حتما سيتذكر لشخص آخر عناقه الطويل، قبضة يداه علي راحتيه، كلماته التى تنم عن المواساة، كتفه الذي أسند رأسه عليه حينما أنهكه التعب، صدره الذي اتسع همومه، وذراعاه التى فتحت له حينما استبد به الضعف ،وتمكنت منه الوحدة.....فالمواقف لا تٌنسي.لاننكر فضل التكنولوجيا في توفير الوقت والمجهود ،ولكن علينا أن نعترف أيضا أنها كانت سببا في نضوب مشاعرنا ،وتقلص إحساسنا بالآخر. ضربت شبكات التواصل الاجتماعي لغة الجسد في مقتل، ليحل محلها سوء الفهم الناجم عن التواصل الإلكتروني ،مما ترتب عليه مشاجرات وقطع صلة أرحام دون أن نعبأ بالأمر، فقط كل ما علينا فعله أن نضغط علي زر حظر "البلوك ". فقد أخفي الجهاز الإلكترونى مشاعرنا، فلم نعد نري منها سوي كلمات، يفسرها الآخرون وفق أهوائهم، بينما ظل التواصل الاجتماعي يواصل عمله في سرقة عاداتنا التي تميِزنا بها في الصغر، فاندثرت أعرافنا التي تربينا عليها ،وباتت قديمة لاتناسب العصر الحديث الذي صرنا نشهده ،فقد تقلصت رويدا رويدا حتي تلاشت تماما. فإذا دعوت شاب لقضاء يوم العطلة مع أفراد عائلته، بات الأمر غريب وغير مستحب له، و ما إن حضر حتي كان وجوده بينهم علي مضض ،فيظل منشغلا بهاتفه إلي أن ينتهي اليوم . فنحن نعود إلي الماضي كلما أردنا أن نتذكر شيئا يدل علي الترابط والحميمية، ولا نلتفت إلي حاضرا لأننا نعلم جيدا أنه خال تماما من تلك المشاعر الإنسانية والمعانى الاجتماعية.
مشاركة :