نعم كلنا دارين، لأن دارين هي كل امرأة سعودية روّعها حادث الطعن البربري الإجرامي على رؤوس الأشهاد وعلى مرأى من المارة في كورنيش جدة! كلنا دارين، لأن دارين قد تكون ابنتك أو ابنتي، أو أختك أو أختي تسير في طريقها في غفلة عما ينتظرها، لتجد نفسها تقف فجأة وجهًا لوجه في مواجهة الإيذاء الذي وصل في حالة دارين للشروع في قتلها! كلنا دارين، لأن المجتمع بأسره تعرّض للطعن في سلمه، ووجد نفسه في مهب الخوف على سلامة فتياته ونسائه في الطريق العام وأماكن التنزه والترفيه! كلنا دارين، لأننا نريد فضاءً عامًا آمنا تسير فيه المرأة واثقة الخطى لا يروّعها متطفل، أو يخدش كرامتها فعل أرعن طائش. كلنا دارين، لأن قضية دارين تمس كل فتاة وكل أم وأب وكل أسرة تريد أن تتمترس خلف قانون صارم يضرب بيدٍ من حديد كل مَن تُسوِّل له نفسه مضايقة النساء الآمنات أو ترويعهن. كلنا دارين، لأن كل منّا قد تتحوّل على يد الثقافة السائدة من ضحية إلى جلاد، ومن معتدى عليها إلى مدانة يُلقى على عاتقها مسؤولية فعل المتحرش الإجرامي! لا يمكن الوصول لحلول ناجعة لقضية مجتمعية على هذا القدر من الخطورة والحساسية كقضية التحرش؛ ومحاولة الحد من تناميها، دون مقاربة الجذر الثقافي للإشكالية، وتفكيك المفاهيم المغلوطة القارة في اللاوعي الجمعي، والتي رانت على الثقافة ورمت بثقل حمولاتها على النسق. ويأتي على رأسها تحرير صك البراءة للمجرم، وتحميل الضحية وزر فعل التحرش الإجرامي، فلا بد أنها كانت متبرّجة أو خاضعة في القول أو استفزازية السلوك، أو لعلّها لوّحت له بوعود التجاوب وألقت عليه شباك الفتنة ومصائد الإغواء!... وهلم جرا لتتناسل التبريرات السقيمة بعضها من بعض، مانحة للمتجاوزين والمأزومين فرصة الاتكاء عليها لتبرير إجرامهم! الخطير في هذه الآلية التبريرية أنها تُهمِّش المسؤولية الفردية، والتي تُشكِّل ركيزة مهمة من ركائز الأخلاق، وتجعل ضمير المتحرش يغط في سبات عميق، وتصالحه مع ذاته المنحرفة، فيقدم على عمله المشين دون أن يرف له وازع أخلاقي، وكله قناعة أن المرأة هي المسؤولة عن انحرافه، فيما تحرر له الثقافة صك البراءة على بياض! مما يساهم أيضا في تكريس التكتُّم والصمت على هذه الجرائم، خوفًا من أن تُحمّل الضحية المسؤولية. التحرش بكل أشكاله جريمة لا يمكن أن يوجد لها مبرر تحت أي ظرف من الظروف، وهنا لابد من قانون رادع مصحوب بالتوعية القادرة على تقويض الأفكار النمطية ووضع المتحرش أمام مسؤوليته الفردية عن أفعاله. amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :