لماذا تراجع دور «صغار المستثمرين» في عمـوميات الشركات المساهمة؟

  • 3/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي كشفت فيه هيئة الأوراق المالية والسلع، عن إعدادها لمسودة وثيقة حقوق المستثمر في الأسواق المالية المحلية، ضمن جهودها الرامية لحماية صغار المستثمرين في الشركات المساهمة العامة، جاء إعلان الشركات عن قرب موعد انعقاد اجتماعات الجمعيات العمومية ليفرض تساؤلاً هاماً حول دور الجهات الرقابية والتنفيذية بالأسواق المحلية في دعم شريحة صغار المستثمرين أمام قرارات الإدارة التنفيذية للشركات وأصحاب حصص الأغلبية لتمرير قرارات الجمعيات العمومية. وأجمع خبراء ماليون ومدراء شركات وساطة مالية عاملة بالأسواق المحلية على أن صغار المستثمرين أكثر الشرائح تأثراً بتقلبات السوق وانخفاضاته، مؤكدين أن هؤلاء هم من يتحمل النسبة الأكبر من الخسائر المتلاحقة نتيجة تدني مستوى الخبرة والمعرفة بشؤون السوق وأحوال الشركات المساهمة، إضافة إلى جهل شائع في أوساط الأقلية من حملة الأسهم بتقنيات التحليل الفني والمالي. ويرى هؤلاء أن أنجح الوسائل لحماية المستثمرين الصغار من تقلبات أسواق الأسهم، يكمن في تنمية وعيهم الاستثماري، وفي توحيد محافظهم الاستثمارية في محفظة يشرف عليها مختصون، أو بانضمامهم إلى أحد صناديق الاستثمار لنفس الغرض، في حين يؤكد آخرون ضرورة إصدار تشريعات جديدة تحد من تعرضهم لمزيد من الخسائر. أما صغار المستثمرين أنفسهم فلهم رأي آخر، فهم يرون أن من يتحكم بالأسواق المالية هم المضاربون الكبار أو شريحة الشركاء الاستراتيجيين «أصحاب حصص الأغلبية» أو مجالس الإدارات التنفيذية للشركات، مؤكدين أن هذه الشريحة هي من تستغل تدني خبرة صغار المستثمرين وغيرها للتحكم في مسيرة السوق صعوداً أو هبوطاً والشراء على أسعار قعرية. وأضافوا أن صغار المستثمرين هم آخر من يدخل السوق في أوقات التصاعد، وآخر من يخرج في أوقات الانهيار، أي أنهم الضحية دائماً، في حين يشكل فائض السيولة لدى كبار المستثمرين هامش أمان يستطيع من خلاله هؤلاء الانتظار لفترة طويلة تكون الأسواق المالية بعدها قد استعادت عافيتها. ولفت عدد من صغار المستثمرين إلى ضرورة أن تقوم الجهات الرقابية بالتعاون مع الأسواق المحلية بتعزيز التشريعات والأنظمة المالية بأدوات رقابية عملية على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بضرورة إفصاح الشركات عن البيانات والمعلومات الجوهرية، مؤكدين أن تأخر بعض الشركات عن الإعلان عن نتائجها المالية وأخرى عن توزيع الأرباح يضاعف من التأثيرات السلبية على الأسواق المحلية. قال محمد علي ياسين الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات والعملاء بشركة الظبي كابيتال المحدودة، إن القانون الأنظمة المالية يكفل الحقوق للأقلية المساهمة في الشركات العامة أو ما يعرف بـ «صغار المستثمرين»، الذين أصبحوا مطالبين بلعب دور متعاظم خلال انعقاد اجتماعات الجمعيات العمومية، خصوصاً في القرارات المتخذة في تلك الاجتماعات المتعلقة بتحديد نسب التوزيعات واستراتيجية الشركات المساهمة خلال المراحل المقبلة، مؤكداً أن هذه الشريحة تراجع دورها في اجتماعات الجمعيات العمومية خلال العشر سنوات السابقة، نتيجة تجاهل بعض مجالس الإدارات مطالب هذه الشريحة ورغبتها الدائمة في إنهاء الاجتماعات سريعاً دون مناقشات قد تؤثر على القرارات المقترحة مسبقاً. وأضاف ياسين أن مجالس إدارات الشركات المساهمة تعتمد عادة على الحصص الاستراتيجية في اتخاذ القرارات أثناء انعقاد الجمعيات العمومية سواء كانت تلك الحصص لمستثمر استراتيجي حكومي أو شركة لتمرير هذه القرارات، مؤكداً أنه من الملاحظ منذ تعثر بعض الشركات المساهمة أو تحقيقها خسائر أن المستثمر الصغير أو شريحة الأقلية، هم من يتحملون تلك الخسائر دون غيرهم من المستثمرين الاستراتيجيين، مؤكداً أن المستثمر الاستراتيجي يجب أن يكون هدفه تسجيل أرباح لجميع المستثمرين بما فيهم هو وليس تربيح نفسه على حساب جميع المساهمين. وأكد أن دخول المستثمر الاستراتيجي له أهمية تتعلق بتطوير أداء الشركات المساهمة، فيجب أن يكون هدفة داعماً للشركة وليس داعماً لمجلس الإدارة، ففي بعض الأحيان يتخبأ المستثمر الاستراتيجي وراء حصص الأغلبية لتمرير القرارات التي تكون في الغالب ليس في صالح صغار المستثمرين، مؤكداً أن الشركات تعمل من خلال هذا المستثمر الاستراتيجي على أن تكون على قدر كاف من مواجهة تقلبات الاستثمار لحماية مساهميها الصغار الذين كانوا على علم بكافة القرارات المتخذة وبالتالي يتحملون مسؤولية تلك القرارات سواء بالخسارة أو الربح. وأوضح أن المدقق الخارجي الذي يقوم بالتدقيق على البيانات المالية للشركة هو أيضاً مسؤول أمام جميع المساهمين وليس البعض منهم أو من مجلس إدارة الشركة، فلا يجب إرضاء مجلس الإدارة على حساب المساهم الصغير، الذي عليه أيضاً أن يشارك بفعالية ودون كلل في اجتماعات الجمعيات العمومية ويكون على علم تام بما يحدث داخل الشركة، لافتاً بأن اجتماعات الجمعية العمومية يجب أن تكون منبراً للنقاش وليس منبراً لتمرير قرارات مجالس إدارات الشركات. وأشار ياسين إلى أن الإدارات التنفيذية للشركات المساهمة عندما تعلم أن صغار المستثمرين لهم دور في القرارات المتخذة خلال الجمعيات العمومية ستتخذ الحيطة والحذر في القرارات الاستثمارية التي تتعلق بعمل الشركة، كما أن تواجد المساهم الصغير في تلك الاجتماعات سيزيد من ولاء المستثمر للشركة ويكون عامل جذب له في عدم الاتجاه نحو بيع السهم في أقرب فرصة، منوهاً بأن هذه الشريحة لها الحق في مساءلة الإدارة التنفيذية في مختلف القضايا والخطط الاستراتيجية المطروحة للنقاش، خصوصاً الميزانيات العامة والتوزيعات خلال اجتماعات الجمعيات العمومية ما يساهم في تحمل مثل هذه الفئة لمسؤولية ما يحدث داخل الشركة. حماية المستثمرين من جانبه، قال وليد الخطيب مدير شركة «جلوبل» للخدمات المالية، إن فئة صغار المستثمرين من الشرائح التي تمثل أهمية كبرى في تعاملات الأسواق المالية عموماً، وبما يعادل 40% من إجمالي تعاملات سوقي أبوظبي ودبي الماليين، مؤكداً أن حماية تلك الشريحة تعد من أولويات عمل مختلف الجهات المتعاملة بالسوق سواء كانت الجهات الرقابية والأسواق أو شركات عامة أو حتى الشركات التي تقدم مختلف الخدمات المالية للمستثمرين في أسواقنا المالية. وأكدت الخطيب أن هناك دوراً متزايداً للجهات الرقابية في حماية صغار المستثمرين من تكبد الخسائر التي تسجلها الشركات دون غيرهم من بقية الشرائح سواء كانوا مساهمين استراتيجيين أو مؤسسات ومحافظ مالية، مؤكداً أن العام الماضي شهد تسجيل خسائر كبيرة وضخمة لهذه الفئة أو الشريحة التي تمثل صغار المستثمرين خصوصاً هؤلاء المساهمين في الشركات التي تم تعليق تداولها، مطالباً الجهات الرقابة بإحكام الرقابة على الشركات التي تسعى في الوقت الراهن لإطفاء خسائرها لضمان وحماية المستثمرين بمختلف شرائحهم، مما يعزز من ثقة المستثمر في تعاملات الأسواق المحلية. وأكد على ضرورة قيام مختلف الجهات الرقابية بتسهيل عمل الشركات المقدمة للخدمات والاستشارات المالية، لتكون بمثابة الجهة الاستشارية للمستثمر الذي لا يتمتع بالخبرة الكافية في إدارة استثماراته المالية في الأسواق المالية، بحيث يكون المستثمر الصغير تحت مظلة إدارة محافظ ما يساعد في تحمل تلك الشركات العبء في إدارة الأموال بدلاً من المستثمر، فضلاً عن حماية شريحة صغار المستثمرين من الوقوع فريسة للشائعات والأخبار المغلوطة التي يتداولها البعض بغرض رفع أو خفض سعر سهم معين والنتيجة تكون خسائر فادحة يتحملها الصغار. وثمن الخطيب الجهود التي تبذلها إدارات الأسواق المالية المحلية وهيئة الأوراق المالية والسلع في توعية المستثمر الصغير بحقوقه وواجباته، من خلال تعزيز ثقافة الاستثمار بالأوراق المالية، خصوصاً دعم وتعزيز ثقافة المستثمر فيما يتعلق بأداء الشركات وقوائمها المالية، فضلاً عن العمل على إعادة تصنيف الشركات بين شركات رابحة تتمتع بميزانيات قوية وأداء تشغيلي متميز وبين شركات خاسرة تعكف على إعادة الهيكلة وإطفاء الخسائر، وهو دور هام تقوم به الأسواق بالتعاون مع الهيئة خلال المرحلة المقبلة. وفيما يتعلق بدور شركات الوساطة المالية في حماية شريحة صغار المستثمرين، قال مدير شركة «جلوبل» للخدمات المالية، إن الوسطاء الماليين عليهم القيام بدور هام في وقف خسائر تلك الشريحة من خلال عدم فتح الباب على مصراعيه أمام المستثمرين الأفراد بالبيع بالهامش، خصوصاً على أسهم المضاربة والشركات الخاسرة، مؤكداً على أهمية العمل على تعميق السوق من خلال تنويع الأدوات المالية المطروحة أمام شريحة صغار المستثمرين، فضلاً عن العمل على زيادة وتيرة الاكتتابات العامة للشركات المطروحة بالأسواق لتوسيع الخيارات الاستثمارية المطروحة خلال المرحلة المقبلة. كفاءة الأسواق بدوره، قال طارق قاقيش مدير عام إدارة الأصول في شركة «مينا كورب» للخدمات المالية، إن حماية حقوق المساهمين الأقلية بالأسواق المالية تعطي دفعة قوية للسوق المالي وتزيد من كفاءة الأسواق، مؤكداً أن حماية حقوق ومصالح المستثمر تساهم في تعزيز الاستثمارات في الأسهم والأوراق المالية لان المخاطر في هذه الحالة تصبح قليلة وغير قابلة للتكرار. وأضاف قاقيش، أن عملية تكوين مجالس الإدارة للشركات المساهمة تحتاج إلى مزيد من الاستقلالية خصوصاً مع وجود مستثمر استراتيجي، مطالباً بضرورة وضع معايير لحوكمة الشركات المساهمة ومجالس الإدارات مع تطبيق هذه المعايير، إلى جانب الشفافية في اتخاذ القرارات وهي جزء أصيل من حوكمة الشركات، مع تحديد نسب معينة للشركاء الاستراتيجيين مما يساهم في استقلالية المساهمين وبالتالي حماية مصالح صغار المستثمرين. وأكد أن البورصات العالمية تعطي صغار المستثمرين نسباً في مساهمة أخري في حال قيام الشركة بزيادة رأس المال، حتى لا يفقد المساهم الصغير نسب المساهمة عند دخول مستثمر استراتيجي، مؤكداً أن هذه النسب التي تحافظ على معدلات تواجد الصغار في الشركة غير معمول بها في الشركات المساهمة المحلية التي تقوم حالياً بإعادة الهيكلة وزيادة رأس المال ما يكون في الغالب على حساب أصحاب الأقلية المساهمة، وفي النهاية نجد أن من يتحمل تكاليف إعادة هيكلة الشركات الخاسرة هو المستثمر الصغير. وأشار مدير عام إدارة الأصول في شركة «مينا كورب» للخدمات المالية، أن معظم الدراسات تؤكد أن صغار المستثمرين هم الشريحة التي تمتلك أقل من 10% من إجمالي رأسمال الشركة، في حين تختلف هذه النسب بين سوق لآخر، متوقعاً أن يتضمن قانون هيئة الأوراق المالية الجديد والذي ينتظر صدوره قريباً العديد من البنود والمواد التنظيمية التي تهدف في المقام الأول حماية حقوق الأقلية المساهمة في الشركات العامة مهما صغرت نسبة المساهمة. وطالب قاقيش من صغار المستثمرين الذين يريدون الاستثمار في الشركات المساهمة العامة ضرورة الإطلاع على أعمال كبار المستثمرين أو الشركاء الاستراتيجيين في الشركة قبل اتخاذ قرار الاستثمار، فضلاً التعرف عن قرب على نوعية «البزنس» الذي يديره أعضاء مجلس إدارة الشركة، مما يعطي انطباع عن ترابط الأعمال التي تقوم بها الشركة وليس بها تعارض مصالح بين صغار المساهمين من ناحية وكبار المستثمرين وأعضاء مجلس الإدارة من ناحية أخرى. واقترح مدير عام إدارة الأصول في شركة «مينا كورب» للخدمات المالية، ضرورة العمل على إصدار قانون يلزم الشركات المساهمة العامة ومجالس إداراتها بمنح شريحة الأقلية كافة المعلومات والبيانات المتعلقة بالقرارات المصيرية للشركة مثل عمليات إطفاء الخسائر أو إعادة الهيكلة أو زيادة رأس المال، إلى جانب منح المستثمرين الصغار تقارير تفصيلية لمناقشات اجتماعات مجالس الإدارة الدورية، مع إلزام مجلس الإدارة بالحصول على موافقة شريحة صغار المستثمرين على بعض العمليات التي تقوم الشركة والمستثمرين الإستراتيجيين. المحافظ الصغيرة ويصف محمد أبو طالب «مستثمر» حالة صغار المستثمرين بأنهم أكثر المتضررين من واقع الانخفاض الذي تعرضت له الأسواق المالية مؤخراً، مؤكداً أن إمكانياتهم من السيولة كانت بسيطة جداً مقارنة بالكتلة السوقية للأسواق، وخسارتهم كان لها وقع كبير على محافظهم باعتبار أن حجمها صغير بالنسبة للمحافظ الكبيرة، خصوصاً وأنها تعاني من شح التنوع، الأمر الذي يعرضها إلى احتمالات خسارة أكبر. وأضاف أن مبدأ الاندماج في المحافظ الصغيرة يمثل طوق النجاة، وهو مطروح في الوقت الراهن، ويعتبر خياراً ممتازاً في وقت تشهد فيه الأسواق تعافياً بدعم من النتائج المالية الإيجابية للشركات والتوزيعات السخية التي قد تكون عوضاً عن الخسائر المتلاحقة المسجلة خلال الأشهر الماضية، لافتاً بأن عملية اندماج المحافظ الصغيرة يصب في مبدأ تنويع المخاطر وتقليص الخسارة والبدء في جني الأرباح. وعن إمكانية وضع تشريعات جديدة تلزم صغار المستثمرين بالاستثمار من خلال محافظ مرخصة، يرى أبو طالب أن هذا الأمر يعتبر مسألة تنظيمية داخل السوق نفسها، وتعود إلى هيئة الأوراق المالية والسلع، التي بإمكانها إعادة هيكلة القانون الذي ينظم عمل أسواق المال، والذي بات من المطلوب إعادة النظر في بعض منها. بدوره، قال عارف النقبي «مستثمر»، إن التشريعات المنظمة لعمل الأسواق والشركات المساهمة موجودة إلا أن الأسواق بحاجة للمزيد، والأهم وهو تنفيذ ما يصدر من تشريعات، وإيجاد الآليات البسيطة لتطبيقها مع وجود رقابة وتنظيم لها، مطالباً بالعمل على تعزيز كل هذه التشريعات بأدوات رقابية عملية على أرض الواقع، منوهاً إلى أن أهم التشريعات التي يحتاجها شريحة صغار المستثمرين هي تلك التشريعات والقوانين المتعلقة بحوكمة الشركات والإفصاح المالي والشفافية، وكذلك المسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى المحاسبة والتنظيم. وأضاف النقبي أن أسعار الأسهم وصلت في الوقت الراهن إلى مستوى منخفض جداً، الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة، مضيفاً أن الأسواق استطاعات خلال الجلسات الأخيرة أن تصحح مسارها إيجابياً، وأن تعدل من الأسعار، مما أدخل الأسواق في مرحلة معتدلة تخلصت معها الأسعار من الدونية، وأخذت تتأهب للارتقاء في الفترات القادمة، مطالباً الجهات الرقابية والأسواق استغلال الفرصة للعمل على سن المزيد من القوانين والإجراءات التنظيمية التي تهدف لحماية حقوق صغار المستثمرين. ويشير إلى أن المستثمر الصغير المتواجد في السوق يعتمد عادة على الشاشة التي قد تحتوي على طلبات وهمية، وضعت لينقاد وراءها الصغار، كون معرفتهم سطحية وتحكمهم بالأسواق معدوماً، مما يساهم في تفاقم عمليات الشراء العشوائي، وسرعان ما تختفي هذه الطلبات بعد أن أدت غرضها، لذا يعتبر الشراء العشوائي مجازفة غير محمودة الجانب، وبها يبتلع الصغار الطعم من قبل مستثمرين كبار.

مشاركة :