من أشهر الأنظمة التي كانت سائدة آنذاك – قبل الإسلام – ما يعرف (بالرهن)، إذ كان المشتري يرهن متاعه أو ولده – في بعض الأحيان – لحين سداد دينه. وكذلك نظام المقايضة. والمقصود بنظام المقايضة أنه نظام يقوم على مبادلة شيء بشيء آخر، فمن يملك شيئًا لا يحتاج إليه ويريد شيئًا بحوزة شخص آخر يقايض هذا الشخص. ففي ظل عدم وجود الحاجة للنقود في العصور البدائية – التي كان الإنسان يكتفي ذاتيًا خلال تلك العصور سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو القبيلة – كان كل فرد يبادل جزءًا من إنتاجه مقابل السلع التي ينتجها الآخرون، وكانت المبادلة التي تتم عن طريق المقايضة تتم دون وجود فاصل من أي نوع، أي دون تدخل النقود وسيطًا في عملية التبادل. إلا أن هذا النظام أصبح قاصرًا عن مجاراة التطور الحضاري الذي ساد المجتمعات، فالمقايضة ليست الصورة المثلى للتبادل واتمام المعاملات الاقتصادية حيث زادت حاجات الإنسان وأصبح يتنقل من مكان إلى آخر وأخذ يدرك تدريجيًا مزايا الانفراد بعمل معين وتقسيم العمل وبرزت بالتالي عيوب نظام المقايضة. وكذلك مارس العرب تبادل السلع بأوزان المعادن الثمينة، كالذهب أو الفضة، وهي عادة قديمة مارسها من قبل تجار بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين. النقود في الأسواق العربية قال جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي «إن العرب في الجاهلية كانوا يتعاملون بنقود كسرى وقيصر، وهي الدراهم والدنانير، وكانت الدنانير من الذهب والدراهم من الفضة. وكانت كذلك عندهم نقود نحاسية منها الحبة والدائق». ولم تعرف النقود العربية إلا في عصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حوالي سنة 18 هجرية على نقش الكسروية، وزاد عليها: الحمد لله محمد رسول الله، وفي بعضها: لا إله إلا الله، وعلى جزء منها اسم عمر. العرب التجار يمكن أن نستقطع جزء من كتاب سعيد الأفغاني (أسواق العرب في الجاهلية والإسلام) بهدف أن تتضح صورة التجارة والأسواق التجارية في جزيرة العرب، وكذلك علاقة الإنسان العربي بالتجارة التي كانت جزء مهم من حياته اليومية، يقول المؤلف: لبلاد العرب موقع جغرافي متوسط بين بلاد أعظم الدول وأقدم الحضارات، فإلى شمالها الشرقي بلاد فارس، وإلى شمالها الغربي بلاد الروم ومصر، وإلى غربها الجنوبي وراء البحر بلاد الحبشة، وفي جنوبها البحر الهندي الذي يفصلها عن بلاد الهند. ولا نكون إلى الغلو إذ قلنا إن معظم تجارات العالم منذ القديم حتى القرون الوسطى هي بين هذه البلاد التي عددنا، فالدولتان العظيمتان اللتان تنازعتا النفوذ والسيادة في العالم وهما فارس والروم كانتا على علاقات تجارية وسياسية مع بلاد العرب في الشمال والجنوب، وقل نحوًا من ذلك علاقة الحبشة والهند مع اليمن وعمان والبحرين، وإن كانت علاقة أضيق حدودًا. وكان للمواصلات التجارية في جزيرة العرب طريقان؛ أحدهما شرقي يصل عمان بالعراق، وينقل بضائع اليمن والهند وفارس برًا ثم يجوز غرب العراق إلى البادية حتى ينتهي به المطاف في أسواق الشام، ويمر التجار فيه على أسواق اليمن والعراق وتدمر وسورية ويبيعون في كل قطر ما لا يكون فيه، ويأخذون منه إلى غيره ما يروج فيه. والطريق الثاني وهو الأهم غربي يصل اليمن بالشام مجتازًا بلاد اليمن والحجاز ناقلاً أيضًا بضائع اليمن والحبشة والهند إلى الشام وبضائع الشام إلى اليمن حيث تصدر إلى الحبشة وإلى الهند في البحر. وكان العرب يُعرفون لدى الشعوب القديمة أنهم وسطاء التجارة وحفظة دروبها، جريًا على عادتهم في الحل والترحال وتمرسهم بالمفاوز، وارتيادهم ما فيها من مرعى ومسارب ومناهل وآبار، فوق صبرهم على شظفها ولأوائها، وكانت بلادهم بحكم موقعها الجغرافي حلقة الاتصال بين ممالك العالم القديم، ولقد قال استرابون «إن العربي تاجر بفطرته». zkhunji@hotmail.com
مشاركة :