عندما رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السوق وخط خطوطه العريضة، فإنه أتاح الفرصة المتساوية لكل الراغبين في التعامل فيه، فلم يستثني أفرادا أو جماعات وإنما كانت تلك السوق مفتوحة للجميع وهي في هذه الحالة تشبه إلى حد كبير بعض النماذج التي ظهرت مؤخرًا وتم نسبها للغرب تارة وللشرق تارة أخرى. فبعيدًا عن الفكر الليبرالي الرأسمالي فإن سوق المدينة يشبه إلى حدٍ ما يعرف باقتصاد السوق الذي نادى به (آدم سميث) عام 1776 في كتابة المعروف باسم (ثروة الأمم)، إلا أن هذا النظام الرأسمالي بحت يقوم على الفكر الليبرالي الرأسمالي والذي يبنى على أن يترك السوق يضبط نفسه بنفسه وليس للدولة أي حق في التدخل فيه. إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط سوق المدينة من جانب آخر بما يعرف اليوم أيضًا باقتصاد السوق الاجتماعي، والذي يمكن تعريفه كما جاء في أطروحة الماجستير للباحثة يمامة عارف إسماعيل المعنون بعنوان (تجربة اقتصاد السّوق الاجتماعي في سورية وتداعياتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي) «اقتصاد السوق الاجتماعي هو تنظيم اقتصادي يركز على المنافسة الحرة والكفاءة والفعالية الاقتصادية وآلية السوق، ويهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وضمان الرعاية للمجتمع». هذا النسيج المتكامل لهذا السوق جعله يتميز ببعض السمات والخصائص أثر بصورة إيجابية على مجتمع المدنية المنورة وبالتالي اقتصادها، منها: 1. قد يعتقد البعض أن هذا السوق الخليط وهذا النسيج من السوق المفتوح يمكن أن يكون حرًا إلى آخر الدرجات، فلم يكن حرًا بحيث يتحرك كما يريد هو أو كما يريد التجار، ولكنه كان محكومًا بضوابط شرعية، تحدده آية وحديث وفكرة وشريعة ومنهاج آتٍ من الله سبحانه وتعالى، فهو ينظر ويرى كل صغيرة وكبيرة. 2. السوق بهذا النسيج المتكامل ألغى فكرة الاحتكار، ففي هذا السوق المفتوح يأتي كل من لديه بضاعة ويقدمها للجمهور والمستهلك، فلا بضاعة يمكن أن تخبأ، لأنه ببساطة إن قام التاجر الفلاني بتخزين البضاعة بهدف احتكارها قام التاجر الآخر بعرض ما لديه من نفس تلك البضاعة، لذلك فإن التاجر الأول سيسير نحو الإفلاس، لذلك فإن سوق المدينة أنهى بطريقة ما فكرة احتكار البضائع وتخزينها بهدف زيادة أسعارها والتحكم فيها. 3. وما يتبع ذلك هو التنافس على رضا المستهلك والعميل أو الزبون، واليوم تدور كل الدراسات الاستهلاكية وتتكلم حول مصطلح (التمحور حول العميل)، وهذا ما حدث في سوق المدينة المنورة، إذ ان الجميع يطلب ود العميل حتى يتمكن من بيع كل بضاعته قبل نهاية اليوم وبالتالي يعود إلى بيته وهو في حالة ربح. 4. قام هذا السوق بعملية توازن ما بين الإنتاج والمعروض من البضائع وكمية الاستهلاك، فالمستهلك يأخذ ما يلزمه فقط، وبالتالي فإن التاجر يعرض في السوق ما يحتاج الناس وربما أكثر من ذلك بقليل، وهذا يعادل قانون العرض والطلب الذي ينص على «كلما زاد العرض قل الطلب، وكلما قل العرض زاد الطلب»، وإن كان هذا القانون موجود في كل الأسواق إلا أنه في سوق المدينة كان العرض والطلب مرهون برضا العميل. عمومًا، ومن الجدير بالذكر ان الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام لضبط سوق المدينة أو بقية الأسواق كانت وما زالت كفيلة أن تسير بالسوق – في كل زمان ومكان – نحو التكاملية بين البشر من ناحية ومن ناحية أخرى بين الربح الاقتصادي والعدالة والكفالة الاجتماعية، فلا يطغى جانب على آخر، فلك حرية الربح المادي وفي نفس الوقت هناك العديد من الضوابط التي يجب أن تراعيها أثناء تواجدك في السوق لكسب هذا الربح، فالمسلم يتعامل مع الله سبحانه وتعالى قبل أن يتعامل مع المستهلك وذلك من مبدأ مهم هو «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك»، منتهى الشفافية. zkhunji@hotmail.com
مشاركة :